من لم يكن لها أي ذنب فيما حدث لها، إنما حدث بالقوة وهي لا ترغب وتدافع عن نفسها فلا اثم عليها.
والله تعالى قد رفع الإثم عن المكره فيما هو أشد من الزنى، وهو الكفر، والنطق به، قال تعالى : (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان). (النحل : 106)
بل رفع القرآن الإثم عن الإنسان في حالة الضرورة القاهرة، وإن بقي له شيء من الاختيار الظاهري، وما ذاك إلا لأن ضغط الضرورة أقوى منه، قال تعالى بعد أن ذكر الأطعمة المحرمة : (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم). (البقرة: 173)
والنبي – ﷺ- قال : ” إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه . (ابن ماجة : في الطلاق 1/ 659، (2045) وصححه الحاكم 2/ 198، ووافقه الذهبي والبيهقي في سننه 7/356 ).
وقال رسول الله -ﷺ- : ” ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولاهم ولا حزن، ولا أذى ولا غم ـ حتى الشوكة يشاكها ـ إلا كفر الله بها من خطاياه”. (رواه البخاري في المرضي 10/103، 5641، 5642)
فإذا كان المسلم يثاب في الشوكة يشاكها، فكيف إذا انتهك عرضه أو لوث شرفه ؟!
ومن أجل هذا ننصح كل شباب المسلم أن يتقرب إلى الله تعالى بالزواج من إحدى هؤلاء الفتيات، رفقًا بحالهن، ومداواة لجرحهن، وهو جرح نفسي قبل كل شيء، ناشئ عن إحساسهن بأنهن فقدن أعز ما تملكه فتاة شريفة طاهرة، وهو عذريتها.
وإذا احتسب الشاب المسلم عمله هذا لوجه الله وأحسن إلى تلك الفتاة فإن أجره لا يعلمه إلا الله كيف وقد ستر على مسلمة وأحسن إليها والله يحب المحسنين.
أما إجهاض الحمل، فالأصل في الإجهاض هو المنع، منذ يتم العلوق، أي منذ يلتقي الحيوان المنوي الذكر بالبييضة الأنثوية، وينشأ منهما ذلك الكائن الجديد، ويستقر في قراره المكين في الرحم.
فهذا الكائن له احترامه وإن جاء نتيجة اتصال محرم كالزنى، وقد أمر الرسول المرأة الغامدية التي أقرت بالزنى واستوجبت الرجم، أن تذهب بجنينها حتى تلد، ثم بعد الولادة أن تذهب به حتى يفطم.
وهذا ما نختاره في الحالات العادية، وإن كان هناك من الفقهاء من يجيز الإجهاض إذا كان قبل مضي أربعين يومًا على الحمل، عملاً ببعض الروايات التي صحت بأن نفخ الروح في الجنين يتم بعد أربعين أو اثنين وأربعين يومًا.
بل من الفقهاء من يرى الجواز إذا كان قبل مضي ثلاث أربعينات أي قبل مائة وعشرين يومًا، عملاً بالرواية الأشهر بأن نفخ الروح يتم عند ذلك.
والذي نرجحه هو ما ذكرناه أولاً، ولكن في حالات الأعذار لا بأس بالأخذ بأحد القولين الآخرين، وكلما كان العذر أقوى كانت الرخصة أظهر، وكلما كان ذلك قبل الأربعين الأولى كان أقرب إلى الرخصة.
ونحن نعلم أن هناك من الفقهاء من شددوا في الأمر، ومنعوا الإسقاط ولو بعد يوم واحد من الحمل، بل هناك من حرموا مجرد الامتناع الاختياري عن الإنجاب، بمنع الحمل من قبل الرجل أو المرأة أو كليهما، مستدلين بما جاء في بعض الأحاديث من تسمية (العزل) بـ (الوأد الخفي).فلا غرو أن يحرم الإجهاض بعد الحمل.
والأرجح هو التوسط بين المتوسعين في الإجازة، والمتشددين في المنع.
والقول بأن (البييضة) منذ يلقحها المنوي أصبحت (إنسانًا) إنما هو لون من (المجاز) في التعبير، فالواقع أنها (مشروع إنسان)
صحيح أن هذا الكائن يحمل الحياة، ولكن الحياة درجات ومراتب، والحيوان المنوي نفسه يحمل الحياة، والبييضة قبل تلقيحها أيضًا تحمل الحياة، ولكن هذه وتلك ليست هي الحياة الإنسانية التي تترتب عليها الأحكام.
ومن ثم تكون الرخصة مقيدة بحالة العذر المعتبر، الذي يقدره أهل الرأي من الشرعيين والأطباء والعقلاء من الناس، وما عدا ذلك يبقى على أصل المنع.
على أن من حق المسلمة التي ابتليت بهذه المصيبة في نفسها، أن تحتفظ بهذا الجنين، ولا حرج عليها شرعًا، كما ذكرنا، ولا تجبر على إسقاطه، وإذا قدر له أن يبقى في بطنها المدة المعتادة لحمل ووضعته، فهو طفل مسلم، كما قال النبي -ﷺ- : ” كل مولود يولد على الفطرة ” (رواه البخاري في الجنائز 3/245، 1385).والفطرة هي التوحيد وهي الإسلام.
ومن المقرر فقها: أن الولد إذا اختلف دين أبويه، يتبع خير الأبوين دينا، وهذا فيمن له أب يعرف، فكيف بمن لا أب له ؟ إنه طفل مسلم بلا ريب.
وعلى المجتمع المسلم أن يتولى رعايته والإنفاق عليه، وحسن تربيته، ولا يدع العبء على الأم المسكينة المبتلاة.