اختلف أهل العلم قديما وحديثا في المراد بالأعراف، وفي المراد بأصحابها؛ لأنه لم يَرد بذلك نص قاطع. ولعل أرجح ما ورد من أقوالهم، وأقربها إلى الصواب: أن المراد بالأعراف مكان عالٍ بين الجنة والنار؛ لأن الأعراف في اللغة جمع عُرف، وهو المكان المرتفع، ومنه عرف الفرس، وعرف الديك. وكل مكان ارتفع عن الأرض يُسمى عرفا؛ لأنه معروف أكثر من المكان المنخفض، ولعله الحجاب المذكور في أول الآية، إذ يقول الله تعالى عن أهل الجنة وأهل النار: “وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ” (الأعراف: آية 46) وهو السور المضروب عن الجنة والنار، وذلك السور المذكور في قوله تعالى: “فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ” (الحديد: آية 13).
وأما أهل الأعراف فهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم. فلم يكونوا من أهل الجنة، ولا من أهل النار، بل كانوا في منزلة بين المنزلتين؛ لأن الناس يوم القيامة على ثلاث مراتب:
أهل المرتبة الأولى: وهم من ثقلت موازينهم، وأولئك يأخذون كتبهم بأيمانهم. وقد قال الله فيهم: “فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ*فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ” (القارعة: آية 6،7).
أهل المرتبة الثانية: أولئك الذين خفت موازينهم، وهم يأخذون كتبهم بشمالهم ويقول الله عنهم: “وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ*فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ*نَارٌ حَامِيَةٌ” (القارعة: آية 8-11).
أهل المرتبة الثالثة: وهم أهل الأعراف الذين تساوت حسناتهم مع سيئاتهم، فلا هم اكتسبوا من الحسنات ما يؤهلهم لدخول الجنة، ولا ارتكبوا من الذنوب والمعاصي ما يستحقون به دخول النار، وسيدخلون الجنة ـ إن شاء الله ـ آخر الأمر بفضل الله تعالى ومَنِّه.
وفي الآية أقوال أخرى أعرضنا عنها، لأنها لا تَسْلم من الاعتراض، وما اخترناه هو قول ابن عباس ـ رضي الله عنها ـ في معرفة المراد بالأعراف، وقول حذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ في المراد بأهل الأعراف .