إذا تعلم المؤمن السنة من خلال قراءة الأحاديث ودراستها وحفظها، ومعرفة الصحيح منها من غيره، يكون له بذلك أجر عظيم؛ لأن هذا من تعلم العلم الذي قال فيه النبي ﷺ: “من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقا إلى الجنة”.
وهذا يدل على دراسة الأحاديث وحفظها، والمذاكرة فيها؛ رغبة في العلم والتفقه في الدين والعمل بذلك، من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، وهكذا قول الرسول ﷺ: “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين”، فيدل على فضل العلم وطلبه، وأن ذلك من علامات الخير.
فالتفقه في الدين يكون عن طريق الكتاب، ويكون عن طريق السنة، فالتفقه في السنة من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيرا، كما أن التفقه في القرآن يدل على ذلك، والأدلة في هذا كثيرة.
هل السنة وحي:
قال تعالى : “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.
والله عز وجل أوحى لرسوله (ﷺ) بوحيين:
الوحي الأول: الذي هو بين دفتي المصحف وهو القرآن الكريم، وهذا قد جاء الوعد الإلهي بحفظه كما ذكرنا الآن من قول الله تعالى: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.
الوحي الثاني: هو السنة المشرفة، ولذلك يقول الرسول (ﷺ): “ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه”، ولكن هذه السنة المباركة من كلام رسول الله (ﷺ) ولم يتكفل الله عز وجل بحفظ نص كلام رسوله (صلوات الله وسلامه عليه)، وإن كان الله سبحانه وتعالى قد سخّر رجالاً من هذه الأمة حملوا سنة رسول الله (ﷺ) وبلّغوها للناس، ووضعوا لها الضوابط والأصول، ونقوّها من الدخيل ومن سفاهات السفهاء وما ألحقه بها المبطلون.
ولو قلنا بأن الله حفظ سنة رسوله (ﷺ) كما حفظ القرآن الكريم.. فماذا يمكن أن نقول بالنسبة لهذه الأحاديث الكثيرة التي وضعها المجرمون على لسان رسول الله (ﷺ) وليس لها أساس من الصحة..
لكن السنة في مجملها محفوظة بحفظ الله؛ لأنها هي الشق الثاني للوحي الذي أوحاه الله لرسوله، وقد قال عز من قائل: “والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى”.
من مظاهر حفظ السنة:
إن من مظاهر الحفظ لسنته ﷺ : ما قام به علماء الإسلام وجهابذته من جهد ظاهر ، وعمل دؤوب مضن ، في سبيل جمع هذه السنة وتدوينها ، ووضع القواعد التي تضبط روايتها ، وتحدد قبولها من ردها ، وتمحص أحوال نقلها ورواتها.
فالسنة تكفل الله بحفظها عن طريق هؤلاء الرواة الذين سخرهم لحفظ سنة نبيه ﷺ.
قال الحافظ ابن رجب : ” فأقام اللّه تعالى لحفظ السنة أقواما ميزوا ما دخل فيها من الكذب والوهم والغلط ، وضبطوا ذلك غاية الضبط ، وحفظوه أشد الحفظ . انتهى “تفسير ابن رجب الحنبلي.
وعلى الرغم من الكم الهائل من الكتب التي تم إتلافها على أيدي التتار في بغداد ، إلا أن هذا لم يؤثر على حفظ السنة شيئا ، فالسنة النبوية محفوظة في صدور العلماء قبل كتبهم ، فضلا عن انتشار كتب الحديث ونسخه في كافة أصقاع العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه.