لا يجوز طرد الأطفال من المساجد بسبب ما قد يحدث منهم من التشويش على المصلين، ولكن ينبغي عدم اصطحاب الأطفال الذين هم دون سن التمييز -الذين لم تتجاوز أعمارهم الثالثة-، وأن نعلم أبنائنا آداب المسجد، وأن نرفق بهم في نصحهم وتأديبهم.
كيف كان يتعامل الرسول مع الأطفال في المسجد
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانة –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين- :
إن طريقة تعامل الرسول ﷺ مع الأطفال في المسجد وأثناء الصلاة تختلف اختلافاً واضحاً عن واقع تعامل كثير من المسلمين مع الأطفال في المساجد وهذه بعض المواقف التي حصلت مع رسول الله ﷺ مع بعض الأطفال حتى نتعلم من رسول الله ﷺ ونهتدي بهديه عليه الصلاة والسلام:
1. عن شداد رضي الله عنه قال: “خرج علينا رسول الله ﷺ في إحدى صلاتي العشى الظهر أو العصر وهو حامل حسناً أو حسيناً فتقدم النبي ﷺ فوضعه عند قدمه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد سجدة أطالها قال: فرفعت رأسي من بين الناس فإذا الصبي على ظهر رسول الله ﷺ وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله ﷺ الصلاة، قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك؟ قال: كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته” رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
2. وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال خطبنا رسول الله ﷺ فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر ثم قال : “صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة رأيت هذين فلم أصبر ثم أخذ في الخطبة” رواه أبو داود.
3. وفي حديث آخر : “كان الرسول ﷺ يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا منعوهما أشار إليهم أن دعوهما فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره” رواه ابن خزيمة في صحيحه.
4. وقال أبو قتادة رضي الله عنه: “رأيت رسول الله ﷺ وأمامة بنت العاص – ابنة زينب بنت الرسول ﷺ على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها” رواه البخاري ومسلم.
5. وفي رواية أخرى عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : “بينما نحن جلوس في المسجد إذ خرج علينا رسول الله ﷺ يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله ﷺ وهي صبية يحملها فصلى رسول الله ﷺ وهي على عاتقه يضعها إذا ركع ويعيدها إذا قام حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها” رواه النسائي.
6. وفي حديث آخر قال رسول الله ﷺ : “إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوّز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه” رواه البخاري ومسلم .
7. وفي رواية أخرى قال أنس كان رسول الله ﷺ يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة. رواه مسلم.
8. وفي حديث آخر أن النبي ﷺ : “جوّز ذات يوم في الفجر – أي خفف – فقيل: يا رسول الله لم جوزت؟ قال: سمعت بكاء صبي فظننت أن أمه معنا تصلي فأردت أن أفرغ له أمه” رواه أحمد بإسناد صحيح.
9. وعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت أرسل رسول الله ﷺ غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائماً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار. رواه مسلم وغير ذلك من الأحاديث.
ما صحة حديث جنبوا صبيانكم المساجد
يحتج بعض الناس على طرد الأطفال من المساجد بما روي في الحديث أنه ﷺ قال: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم) فهذا الحديث ضعيف عند العلماء ولا يصح الاستدلال به، قال البزار: لا أصل له وكذلك قال عبد الحق الإشبيلـي ، وممن ضعفه الحافظ ابن حجر وابن الجوزي والمنذري والهيثمي وغيرهم.
وظن عامة الناس أن هذا الحديث ثابت عن رسول الله ﷺ جعلهم يطردون الأطفال من المساجد وينكرون على من يحضرهم إلى المساجد وهذا موقف غير صحيح. والحق أن الإسلام اعتنى بالأطفال، وأمر الآباء والأولياء بأن يأمروا أبنائهم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين. وإن المكان الصحيح لتعليمهم الصلاة وقراءة القرآن وأحكام التجويد وغيرها من أحكام الشرع هو المسجد.
هذا هو هدي الرسول ﷺ في تعامله مع الأطفال في المسجد
فلا يجوز لأحد أن يطرد الأطفال من المساجد لأنهم رجال المستقبل قال الله تعالى:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ).
فعلينا أن نقتدي برسول الله ﷺ وأن نعود أطفالنا على ارتياد المساجد بدلاً من بقائهم في الأزقة والحارات عرضة لفساد الأخلاق وسوء الرفاق .
هل يجوز احضار الأطفال الصغار للمساجد
لا بد من التنبيه أنه ينبغي عدم إحضار الأطفال الصغار جداً إلى المساجد لأنهم لا ينضبطون فمثل من كان عمره سنة أو سنتين أو ثلاث لا يحضر إلى المسجد ولا بأس بإحضار الأطفال الذين هم في الخامسة أو السادسة أو السابعة إلى المساجد .
ولو حصل أن بعض الأطفال شوشوا على المصلين في المسجد بالبكاء والصياح مثلاً فلا ينبغي أن يثير ذلك المصلين فيحتجون على الطفل وعلى أبيه أو أمه وقد يشوشون بذلك الاحتجاج أكثر من تشويش الطفل وإنما يتركون الأمر لإمام المسجد ليعالج الموضوع بالحكمة وإقتداء بمنهج النبي ﷺ في ذلك.وينبغي أن يعلم أن الرفق واللين أمران مطلوبان في مثل هذه المواقف
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال :( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ) رواه مسلم.
كيفية التعامل مع من أساء داخل المسجد
-لنا في رسول الله ﷺ قدوة حسنة فقد حدث أن أعرابياً دخل المسجد النبوي فبال فيه ! ؟ فصاح الصحابة به فعالج النبي ﷺ الموقف بكل رفق ولين فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبي ﷺ دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) رواه البخاري ومسلم.
-وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال بينما نحن في المسجد مع رسول الله ﷺ إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله ﷺ مه مه قال: قال رسول الله ﷺ لا تزرموه دعوه فتركوه حتى بال ثم إن رسول الله ﷺ دعاه فقال له “إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن أو كما قال رسول الله ﷺ قال فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه” رواه مسلم
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال دخل أعرابي المسجد والنبي ﷺ جالس فصلى فلما فرغ قال اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً فالتفت إليه النبي ﷺ فقال لقد تحجرت واسعاً فلم يلبث أن بال في المسجد فأسرع إليه الناس فقال النبي ﷺ أهريقوا عليه سجلاً من ماء أو دلواً من ماء ثم قال إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وخلاصة الأمر أنه يحرم طرد الأطفال من المساجد بل يجب تعويدهم على الحضور للمسجد ليتعلموا الصلاة وقراءة القرآن وأحكام التجويد وغير ذلك من الأحكام الشرعية.