الصورة الأولى: فهي اقتداء المقيم بالمسافر، وهي جائزة بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده أن عمران بن حصين قال : { ما سافر رسول الله ﷺ سفرا إلا صلى ركعتين حتى يرجع , وإنه أقام بمكة زمن الفتح ثمان عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب , ثم يقول : يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا قوم سفر } . :
وبدليل ما رواه مالك في موطئه أن عمر- رضي الله عنه- أنه كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين , ثم قال : يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر . رواه مالك في الموطأ ) .
وقال الشوكاني : “والحديث يدل على جواز ائتمام المقيم بالمسافر وهو مجمع عليه”. أي لا خلاف في جوازه.
الصورة الثانية : فهي جائزة من حيث الأصل؛ لأنها لا تعدو أن تكون اقتداء مسافر بمقيم، وجمهور العلماء على جوازه، ولكن يأتي الإشكال من أن هذا الرجل صلى ركعتين فقط كما هو الشأن في صلاة المسافر، فالذي عليه جمهور الفقهاء أن هذا الرجل كان عليه أن يصلي أربع ركعات؛لأنه ائتم بمقيم. ولكننا لا نفتيه بإعادة الصلاة لأن بعض العلماء أجاز قصر المسافر وراء المقيم، مثل طاووس والشعبي وإسحاق.
حكم اقتداء المقيم بالمسافر
جاء في كتاب المغني لابن قدامة :
المسافر متى ائتم بمقيم , لزمه الإتمام , سواء أدرك جميع الصلاة أو ركعة , أو أقل . قال الأثرم : سألت أبا عبد الله عن المسافر , يدخل في تشهد المقيمين ؟ قال : يصلي أربعا . وروي ذلك عن ابن عمر , وابن عباس , وجماعة من التابعين . وبه قال الثوري , والأوزاعي , والشافعي , وأبو ثور , وأصحاب الرأي.
وقال إسحاق : للمسافر القصر ; لأنها صلاة يجوز فعلها ركعتين , فلم تزد بالائتمام , كالفجر . وقال طاوس , والشعبي , وتميم بن حذلم , في المسافر يدرك من صلاة المقيم ركعتين : يجزيان ،وقال الحسن , والنخعي , والزهري , وقتادة , ومالك : إن أدرك ركعة أتم , وإن أدرك دونها قصر ; لقول النبي ﷺ : { من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة } . ولأن من أدرك من الجمعة ركعة أتمها جمعة , ومن أدرك أقل من ذلك , لا يلزمه فرضها . . ( أي يصلي ظهرا)
ثم استدل ابن قدامة على ما ذهب إليه من وجوب الإتمام فقال : دليله :ما روي عن ابن عباس , أنه قيل له : { ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد , وأربعا إذا ائتم بمقيم ؟ فقال : تلك السنة . } رواه أحمد , في ” المسند ” وقوله : السنة . ينصرف إلى سنة رسول الله ﷺ . ولأنه فعل من سمينا من الصحابة , ولا نعرف لهم في عصرهم مخالفا .
قال نافع : كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلاها أربعا , وإذا صلى وحده صلاها ركعتين . رواه مسلم . ولأن هذه صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين , فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة وما ذكره إسحاق لا يصح عندنا ; فإنه لا تصح له صلاة الفجر خلف من يصلي الرباعية , وإدراك الجمعة يخالف ما نحن فيه , فإنه لو أدرك ركعة من الجمعة رجع إلى ركعتين , وهذا بخلافه . ولأن النبي ﷺ قال : { إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه } . ومفارقة إمامه اختلاف عليه , فلم يجز مع إمكان متابعته . انتهى.
ماذا يفعل المسافر إذا ائتم بمقيم
يقول الشيخ العلامة ابن العثيمين – رحمه الله- في شرح زاد المستقنع:
إذا ائتم المسافر بمقيم فإنه يتم؛لقول النبي ﷺ: «إنما جعل الإِمام ليؤتم به» .
وقوله ﷺ: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» ، فيشمل كل ما أدرك الإِنسان وكل ما فاته.
ولأن «ابن عباس سئل: ما بال الرجل المسافر يصلي ركعتين ومع الإِمام أربعاً؟ فقال: تلك هي السنّة» .
ومراده بالسُّنة الشريعة الشاملة للواجب.
ولأن الصحابة : «كانوا يصلون خلف عثمان بن عفان وهم في سفر في منى أربعاً» ، فهذه أدلة أربعة كلها تدل على أن المأموم يتبع إمامه في الإِتمام.
ثم قال الشيخ ابن العثيمين :
مسألة: إذا أدرك المسافر من صلاة الإِمام ركعة في الصلاة الرباعية فبكم يأتي؟
الجواب: يأتي بثلاث، وإن أدرك ركعتين أتى بركعتين، وإن أدرك ثلاثاً أتى بركعة، وإن أدرك التشهد أتى بأربع؛ لعموم قوله ﷺ: «وما فاتكم فأتموا».