الواقع أن هذا الكون الذي نعيش في جزء صغير منه، ليس مقصورًا على السماوات والأرض، وإن كنا حتى الآن لا نعرف السماوات ما هي، فهناك فوق السماوات من ملك الله عز وجل مالا تبلغه عقولنا ولا يصل إليه علمنا .. ولهذا يقول المسلمون كما علمهم النبي ﷺ بعد القيام من الركوع ” اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد ” (رواه مسلم من حديث أبي سعيد وابن أبي أوفى)
وهذا ما يحدثنا العلم المعاصر عن بعضه ويقيسه بملايين السنين الضوئية، بيننا وبين بعض الكواكب من المسافات الشاسعة، والأبعاد المجهولة ما يقاس بملايين وآلاف ملايين السنين الضوئية، وهذا شيء أصبح معلومًا ومقررًا الآن، فإذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض، فليس معنى ذلك أنه ليس هناك في ملك الله ما يتسع للنار؛ بل هناك ما يتسع للنار ولغيرها من هذا الملك الواسع الرحب الفسيح .. وهذا السؤال سؤال قديم .. فقد سئل الصحابة، وسئل قبلهم النبي ﷺ من بعض أهل الكتاب عن معنى هذه الآية (جنة عرضها السماوات والأرض) وقالوا: فأين النار ؟ فكان النبي ﷺ يقول لهم: أين الليل إذا جاء النهار ؟ وفي رواية عن أبي هريرة رواها البزار مرفوعًا أن رجلاً سأل هذا للنبي ﷺ فقال له: أرأيت الليل إذا جاء لبس كل شيء ؟ فأين النهار ؟ فقال السائل: النهار حيث شاء الله عز وجل . قال النبي ﷺ: كذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل . قال ابن كثير في تفسيره معلقًا على هذا الخبر: ” وهذا يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار ألا يكون الليل في مكان وإن كنا لا نعلمه، وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل . وهذا أظهر.
والثاني: أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب، فإن الليل يكون من الجانب الآخر، فكذلك الجنة في أعلى عليين، فوق السماوات، تحت العرش، وعرضها كما قال الله عز وجل كعرض السماء والأرض، والنار في أسفل سافلين، فلا تنافي بين كونها كعرض السماوات والأرض، وبين وجود النار ” .