يقول الشيخ فيصل مولوي- رحمه الله تعالى-:
دفع الرشوة للحصول على حقوق لا يستحقها الراشي حرام، ودفع الرشوة لانتزاع الحقوق من أصحابها أشد إثما، وإذا أعلنت مؤسسة عامة أو خاصة عن حاجتها لبعض العاملين فعلى من يجد في نفسه الشروط المطلوبة أن يتقدم بما يفيد ذلك، ومن حق المؤسسة أن تفاضل بين المتقدمين بناء على المعايير المعمول بها.
فإذا أصبح المقياس بعد استيفاء الشروط الرشوة أو الواسطة فلا يجوز للمتقدمين أن يلجئوا إلى هذه السبل لما في ذلك من الإعانة على أكل أموال الناس بالباطل، وإهدار الكفاءات.
غير أن من حيل بينه وبين الوظيفة إلا باللجوء إلى هذه السبل فيمكنه أن يلجأ إليها عند الاضطرار طالما أن المقاييس المطلوبة موفورة فيه، وتبقى الرشوة نارا في بطن من يأكلها، وتبقى الواسطة عقبة كئودا على الصراط تنتظر من فرضها، وعدم ولوج هذا الباب أولى.
يقول الشيخ المستشار فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث:-
إذا كانت الوظيفة حقاً للشخص، لكن المعنيين لا يعطون هذا الحق إلا بعد أن يدفع لهم رشوة معينة. ففي هذه الحالة أجاز كثير من الفقهاء دفع هذه الرشوة.
يقول النووي في المجموع:- (وإن كان يطلب بما يدفعه وصوله إلى حقه لم يحرم عليه ذلك) انتهى.
ويقول ابن قدامة في المغني : –
(وإن رشا ليدفع ظلمه ويجزيه على واجبه؛ فقد قال عطاء، وجابر بن زيد والحسن لا بأس أن يصانع عن نفسه. قال جابر بن زيد: ما رأينا في زمن زياد أنفع لنا من الرشا، لأنه يستنقذ ماله كما يستنقذ الرجل أسيره) .
أما إذا كانت الوظيفة حق للغير، وهو يريد أن ينتزعها منه، فيدفع الرشوة من أجل ذلك فهذه هي الرشوة المحرمة بالإجماع لأن رسول الله (صلَى الله عليه وسلَم): (لعن الراشي والمرتشي) وهو حديث إسناده صحيح ،ورواه الترمذي وأبو داوود وابن ماجة والحاكم وأحمد والبهيقي.
ومن المعروف أن الوظيفة العامة حق لكل مواطن، لكن لا بد للإدارة أن تختار لأنه لا يمكن توظيف جميع المواطنين. وهي لا تستطيع أن تختار إلا من بين من تتوفر فيهم الشروط المطلوبة (كالشهادة العلمية والعمر وحسن السلوك…) فإذا كانت هذه الشروط متوفرة في الشخص، فالوظيفة من حقّه، والرشوة في هذه الحالة تبقى حراماً على آخذها، لكنها مباحة -إن شاء الله- لمن يدفعها طالما أنه يدفعها للحصول على حقه، وليس لظلم الغير وانتزاع حقوقهم، خاصة من مضى على تخرجه عدة سنوات دون أن يجد عملاً، فهو صاحب حق ومضطر.