لا يجتمع الكذب والإيمان في قلب مؤمن، ففي الحديث “أيكون المؤمن كذابا قال لا” ، وقد جاء الوعيد عليه شديدا وحذرنا رسول الله –ﷺ- من سوء عاقبته، ولا فرق في ذلك بين كذبة صغيرة وأخرى كبيرة، وعلى من ابتلي بهذه الخصلة الذميمة أن يجاهد نفسه حتى تتعود الصدق.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي-رحمه الله تعالى-:
الكذب خلق سيئ ليس من أخلاق الصالحين ولا المؤمنين، وإنما هو من أخلاق المنافقين كما قال النبي – ﷺ -: ” آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ” (رواه الشيخان). وفي رواية أخرى: ” أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه واحدة منهن، ففيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر . (رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما).
فالكذب ليس من خصال المؤمنين، وإنما هو من خصال المنافقين، الذين يكذبون دائمًا، ويؤكدون كذبهم بالحلف، حتى في يوم القيامة يكذبون أمام الله ويحلفون له كما كانوا يحلفون للمسلمين في الدنيا، ويحسبون أنهم على شيء، ألا إنهم هم الكاذبون . وقد جاء في القرآن الكريم ” (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) (النحل: 105). وقد سئل النبي – ﷺ -: ” أيكون المؤمن جبانًا ؟ قال: نعم . قيل: أيكون بخيلاً ؟ قال: نعم . قيل: أيكون كذابًا؟ قال: لا “. (رواه مالك مرسلاً عن صفوان بن سليم).
من الناس من يكونون ضعفاء النفوس، يتصفون بالجبن وشدة الفزع.
ومن الناس من يكونون بخلاء، يتصفون بالشح وقبض اليد.
هاتان الصفتان قد تكونان في الجبلة والطبع.
ولكن الكذب لا يكون إلا مكتسبًا، وهذا الذي يحاسب عليه الإسلام ويشدد فيه أبلغ ما يكون التشديد . وقد قال – ﷺ -: ” عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا.
وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا”. (متفق عليه من حديث ابن مسعود).
فالصدق عادة تكتسب بالتحري، وبالمجاهدة وبالرياضة وبالتعود . وعلى المسلم أن يعود أبناءه منذ نعومة أظافرهم على الصدق، وينهاهم عن الكذب . حتى أن النبي – ﷺ – سمع أحد الآباء يقول لابنه مرة: سأعطيك كذا وكذا . فقال له: هل تنوي أن تعطيه ؟ قال: لا . قال: إما أن تعطيه وإما أن تصدقه . فإن الله نهى عن الكذب . قال: يا رسول الله، أهذا من الكذب ؟ قال: ” نعم . إن كل شيء يكتب . الكذبة تكتب كذبة، والكذيبة تكتب كذيبة ” (رواه أحمد وابن أبي الدنيا عن حديث الزهري عن أبي هريرة ولم يسمع منه) . والكذب يتفاوت قطعًا، فكلما كان ضرره أشد كان النهي عنه أعظم والإثم فيه أكبر . هناك كذب يعتبر من الصغائر، وكذب يعتبر من الكبائر.
يقول النبي – ﷺ -: ” ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر “. (رواه مسلم).
هؤلاء المذكورون في الحديث يرتكبون المعصية دون حاجة إليها، فالملك أو الرئيس الكذاب الذي يدجل على الناس – والمفروض فيه أن يكون قدوة حسنة إثمه عظيم.
والذي يزني بعد أن تجاوز طيش الشباب إلى حكمة الشيخوخة.
والعائل المستكبر فقير لا حيلة له ومع ذلك يتكبر أن يسمع الموعظة، أو النصيحة، أو غير ذلك مما فيه إرشاد له وتوجيه إلى الخير . هؤلاء الثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.
والله تعالى أعلم .