إذا غرر أحد الزوجين صاحبه، فتظاهر بشيء ليس فيه فللمغرور أن يطلب فسخ النكاح، وكذلك إذا كان بأحد الزوجين مرض منفر فأخفاه عن صاحبه فللطرف الآخر حق فسخ النكاح إذا لم يرض .

وكذلك إذا مرض أحد الزوجين مرضا منفرا يمنع من الاستمتاع والمؤانسة فللطرف الآخر حق فسخ النكاح إذا لم يرض بشرط أن يكون المرض لا علاج له، أو أن يكون المرض يحتاج إلى سنوات طوال حتى يبرأ.

وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن هذا الفسخ لا يثبت إلا في أمراض معينة فقط، ولكن الراجح هو أن ذلك يثبت في كل مرض منفر، وهذا ما رجحه ابن القيم، والشيخ سيد سابق – صاحب كتاب فقه السنة- وبه أخذ القانون المصري .

ومعنى الفسخ هنا أن الزوجة إذا كانت هي التي غررت بالزوج فللزوج أن يسترد صداقه عند فراقها، وأما الزوجة فترفع أمرها للقضاء لتثبت صدق دعواها .

الأمراض التي يجوز فيها فسخ عقد النكاح

جاء في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق – من علماء مصر- رحمه الله:-
إذا تبين أن الرجل غرر بالمرأة أو أن المرأة غررت بالرجل .

-مثال ذلك أن يتزوج الرجل المرأة وهو عقيم، لا يولد له ولم تكن تعلم بعقمه، فلها في هذه الحال حق نقض العقد وفسخه متى علمت، إلا إذا اختارته زوجا لها، ورضيت معاشرته . قال عمر رضي الله عنه لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له، أخبرها أنك عقيم وخيرها .

-ومن صور التغرير أن يتزوجها على أنه مستقيم، ثم يتبين أنه فاسق، فلها كذلك حق فسخ العقد، أي تخييرها بين البقاء على العقد وبين فسخه .
-ومن ذلك ما ذكره ابن تيمية: إذا تزوج امرأة على أنها بكر فبانت ثيبا فله الفسخ ، وله أن يطالب بأرش الصداق – وهو تفاوت ما بين مهر البكر والثيب – وإذا فسخ قبل الدخول سقط المهر .

-وكذلك لا يكون العقد لازما إذا وجد الرجل بالمرأة عيبا ينفر من كمال الاستمتاع . كأن تكون مستحاضة دائما ، فان الاستحاضة عيب يثبت به فسخ النكاح ، وكذلك إذا وجد بها ما يمنع الوطء كانسداد الفرج .
-ومن العيوب التي تجيز للرجل فسخ العقد : الأمراض المنفرة :مثل البرص والجنون والجذام ، وكما يثبت حق الفسخ للرجل فكذلك يثبت للمرأة إذا كان الرجل أبرص ، أو كان مجنونا أو مجذوما أو مجبوبا – المقطوع الذكر – أو عنينا – الذي لا يصل إلى النساء من الارتخاء- أوصغيرا .

و الحياة الزوجية التي بنيت على السكن والمودة والرحمة لا يمكن أن تتحقق وتستقر مادام هناك شئ من العيوب والأمراض ينفر أحد الزوجين من الآخر .

فإن العيوب والأمراض المنفرة لا يتحقق معها المقصود من النكاح . ولهذا أذن الشارع بتخيير الزوجين في قبول الزواج أو رفضه .

الغرر بين الزوجين عند عقد النكاح

وللإمام ابن القيم تحقيق جدير بالنظر والاعتبار قال :

فالعمى، والخرس والطرش، وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو أحدهما، أو كون الرجل كذلك ، من أعظم المنفرات ، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش، وهو مناف للدين. وقد قال أمير المؤمنين(عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له: (أخبرها أنك عقيم وخيرها ) .

قال : والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة ، يوجب الخيار ، وهو أولى من البيع ، كما أن الشروط المشروطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع . وما ألزم الله ورسوله مغرورا قط ، ولا مغبونا بما غر وغبن به . ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره، وموارده ، وعدله وحكمته ، وما اشتمل عليه من المصالح لم يخف عليه رجحان هذا القول وقربه من قواعد الشريعة . انتهى كلام ابن القيم .

وذهب أبو محمد بن حزم إلى أن الزوج إذا شرط السلامة من العيوب فوجد أي عيب كان ، فالنكاح باطل من أصله غير منعقد ، ولا خيار له فيه ، ولا إجازة ، ولا نفقة ، ولا ميراث . قلت : إن التي أدخلت عليه غير التي تزوج ، إذ السالمة غير المعيبة بلا شك ، فإذا لم يتزوجها فلا زوجية بينهما .

ما جرى عليه العمل بالمحاكم :
قد جرى العمل الآن بالمحاكم حسب ما جاء بالمادة التاسعة من قانون سنة 1920 . ” أنه يثبت للمرأة هذا الحق إذا كان العيب مستحكما لا يمكن البرء منه ، أو يمكن بعد زمن ، ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر أيا كان هذا العيب ، كالجنون ، والجذام والبرص ، سواء أكان ذلك بالزوج قبل العقد ولم تعلم به ، أم حدث بعد العقد ولم ترض به ، فان تزوجته عالمة بالعيب ، أو حدث العيب بعد العقد ، ورضيت صراحة أو دلالة بعد علمها ، فلا يجوز طلب التفريق ، واعتبر التفريق في هذا الحال طلاقا بائنا ، ويستعان بأهل الخبرة في معرفة العيب ومداه من الضرر .

انتهى من كتاب فقه السنة مع التصرف .