قال تعالى : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ، وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [التوبة:36] .
والأشهر الحرم هي أربعة: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم؛ فشهر مفرد، وهو رجب، والبقية متتالية، وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم. والظاهر أنها سميت حرمًا؛ لأن الله حرم فيها القتال بين الناس؛ فلهذا قيل لها حرم؛ جمع حرام.
الصيد في الأشهر الحرم على المحرم:
صيد البر إنما يحرم على المحرم دون غيره، ودون ارتباط بالأشهر الحرم، والذي حرم في الأشهر الحرم هو القتال؛ لقوله تعالى :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) البقرة 217 كما يحرم صيد الحرم على المحرم وغيره.
الصيد في الأشهر الحرم على غير المحرم:
وأما صيد البر الذي في خارج الحرم فلا يحرم على غير المحرم، لقوله تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ” المائدة 95 قال الإمام أبو حنيفة: فحرم صيده وقتله على المحرمين, دون ما صاده غيرهم .
ومن المعلوم أن الحج يكون في الأشهر الحرم.
معنى قوله تعالى “وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا” :
قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: “وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا” فيه مسائل :
الأولى : التحريم ليس صفة للأعيان, إنما يتعلق بالأفعال فمعنى قوله : ” وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما” أي فعله, وهو المنع من الاصطياد حالة الإحرام.
الثانية : اختلف العلماء فيما يأكله المحرم من الصيد فقال مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد وروي عن إسحاق, وهو الصحيح عن عثمان بن عفان : إنه لا بأس بأكل المحرم الصيد إذا لم يصد له, ولا من أجله, لما رواه الترمذي والنسائي والدارقطني عن جابر أن النبي ﷺ قال: ( صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم ) قال أبو عيسى : هذا أحسن حديث في الباب ; وقال النسائي : عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث , وإن كان قد روى عنه مالك .
فإن أكل من صَيدٍ صِيدَ من أجله فداه , وبه قال الحسن بن صالح والأوزاعي , واختلف قول مالك فيما صيد لمحرم بعينه , والمشهور من مذهبه عند أصحابه أن المحرم لا يأكل مما صيد لمحرم معين أو غير معين ولم يأخذ بقول عثمان لأصحابه حين أتي بلحم صيد وهو محرم : كلوا فلستم مثلي لأنه صيد من أجلي ; وبه قالت طائفة من أهل المدينة , وروي عن مالك .
وقال أبو حنيفة وأصحابه :أكل الصيد للمحرم جائز على كل حال إذا اصطاده الحلال , سواء صيد من أجله أو لم يصد لظاهر قوله تعالى : ” لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ” فحرم صيده وقتله على المحرمين , دون ما صاده غيرهم . واحتجوا بحديث البهزي – واسمه زيد بن كعب ـ عن النبي ﷺ في حمار الوحش العقير أنه أمر أبا بكر فقسمه في الرفاق , من حديث مالك وغيره . وبحديث أبي قتادة عن النبي ﷺ وفيه ( إنما هي طعمة أطعمكموها الله ).
وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في رواية عنه, وأبي هريرة والزبير بن العوام ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير .
وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر أنه لا يجوز للمحرم أكل صيد على حال من الأحوال , سواء صيد من أجله أو لم يصد ; لعموم قوله تعالى : ” وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ” . قال ابن عباس : هي مبهمة وبه قال طاوس وجابر بن زيد أبو الشعثاء وروي ذلك عن الثوري وبه قال إسحاق .
واحتجوا بحديث الصعب بن جثامة الليثي , أنه أهدى إلى رسول الله ﷺ حمارا وحشيا , وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه رسول الله ﷺ ; قال : فلما أن رأى رسول الله ﷺ ما في وجهي قال : ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) خرجه الأئمة واللفظ لمالك.