قَالَ الله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) (سورة النحل: 43)، هذا الحصر في الرجال قد يكون لإخراج النساء، فَلا يكون منْهُنَّ رسول، وقد يكون لإخراج الملائكة، بمعنى أن الرُّسل للبشر لا تكون من الملائكة، وقرَّر الله أنَّه لو أَرْسَل للبَشَر مَلَكًا لَجَعَلَهُ رَجُلاً قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) (سورة الأنعام: 9)، وَقَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَي إِلَيَّ) (سورة الكهف:110)، وَقَالَ: (قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا) (سورة الإسراء:90)، وَالرِّسَالَة القائمة على التبليغ هي قيادة للخير، بالإرشاد والاتِّباع، وفيها جهود جبَّارة لنشْر الدعوة ومقاومة الفساد والتَّغلُّب على العقبات، وقد يكون فيها حرب وقتال، وسفر وتِرْحَال، واستعدادات الرجال تتناسب مع هذه المهمة.
إلى جانب أن الرجل هو الأصل في أن يكون خليفة في الأرض، والمرأة خُلقت منه لتساعده على تحقيق هذه الخلافة فيما تَستطيعه ويتناسب مع استعداداتها. هذا في الرَّسالة التي تستلزم التبليغ، أما النُّبوَّة التي تقتصر على مجرَّد تَلقِّي الوحْي من الله للعمل به دون الأمر بِتَبْليغه فقد تكون للمرأة، كما قال بعض العلماء عن أم موسى وعن مريم عليهما السلام، والاستدلال والمناقشة لا يتسع لهما المقام.
وأما عدم ذكر اسم امرأة في القرآن إلا مريم، فذلك لأنَّ لها شأنًا خطيرًا في عقيدة هي أهم العقائد، وهي عقيدة التوحيد وتنزيه الله سبحانه عن الزوجة والولد، وبيان الوجه الحق في طبيعة سيدنا عيسى عليه السلام، فقد قَبِلَها الله لخدمة بيته؛ لأن أمها نَذَرت ما في بطْنها لذلك، وكانت تَوَدُّ أن يكون ذكرًا، واشْتَهَرَتْ بِالْعِفَّة والطهارة، وهي في محْرابها تؤدِّي واجبها، وحملت بغير الطريق العادي، حيث نَفَخَ الله فيها الروح بواسطة جبريل عليه السلام، وكان ولدها عيسى عليه السلام، ممن ظهرت خوارق العادة على أيديهم منذ صغره، حيث تكلَّم في المهد صبيًّا، إلى غيْر ذلك من الأمور التي جعلت لعيسى ولأمِّه شأنًا غير عادى، ولذلك قال بعض العلماء: إن مريم من الأنبياء (وَإِذْ قَالَتِ المَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ) (سورة آل عمران:42).
فلهذه الاعْتبارات ذَكر اسمها في القرآن الكريم، وليس معنى هذا أن غيرها من النساء لا فضل له ولا شأن، ومن هذا الباب ذكر اسم زيد بن حارثة في القرآن لأهمِّيته في تقرير الحِكمة في مبدأ التبنِّي وزواج زينب بنت جحش، ولا يَعنى هذا أنَّ زَيدًا أفضل من أبي بكر وعمر وغيرهما، حيث لم يُذْكروا بأسمائهم الصريحة في القرآن الكريم.