التجويد، هو ضبْط القراءة بإخْراج الحروف من مخارجها وإعطائها حقَّها ومُسْتَحَقَّاتها، كما حدَّده المُشتغلون بعلم التَّجويد أما تحسين الصوت بالقرآن فشيء وراء التجويد اللازم لصحَّة القراءة، والأمر بتحسين الصوت بالقرآن موجود في نصوص كثيرة منها حديث ” لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بالقرآن” رواه مسلم وحديث “زَيِّنُوا القُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُم” رواه أبو داود والنسائي، وحديث ” ما أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآن يَجْهَرُ بِه” رواه مسلم.
وقد توسَّع القرطبي في شرح هذه الأحاديث في مقدمة تفسيره، ونقتطف منه ما يلي: العلماء فريقان في التَّطريب وقراءة القرآن بالألْحان، فكَرِهه جماعة منهم الإمام مالك، وقال: لا يُعْجبني، إنما هو غناء يَتغنَّون به ليأخذوا عليه الدَّراهم، وأجازته جماعة؛ لأنه أوقع في القلوب، واحتجُّوا بالأحاديث السابقة.
ومما ورد أن الرسول ـ ﷺ ـ استمع إلى قراءة أبي موسى الأشعري وأُعْجِب بها دون أن يَعلم، فلما عَلِم قال: لو أعلم أنك تستمع لقراءتي لحبَّرته لك تحبيرًا، وعلى هذا أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم.
واختار القرطبي رأْي مالك وأجاب عن الأحاديث بأن القرآن لا يُزيَّن بالصوت، وإنما الصوت هو الذي يُزيَّن بالقرآن، فالتعبير في الحديث مقْلوب، وكذلك فسَّره غير واحد. وذكر رواية لأبي هريرة: “زيِّنوا أصواتكم بالقرآن” كما رُوى عن عمر: حسِّنوا أصواتكم بالقرآن”، وحديث التَّغنِّي بالقرآن معناه تحسين الصوت به، وهو معنى التحبير الوارد في كلام أبي موسى الأشعري.
وقيل: المراد بالتغنِّي الاستِغْناء بالقرآن عن عِلْم أخْبار الأمم وقيل: معناه يتحزَّن به وقيل: إن العرب كانت تُولَع بالغناء والنشيد في أكثر أقوالها فلما نزل القرآن أحَبُّوا أن يكون القرآن هِجِّيرَاهُمْ، أي دأبهم وعادتهم. ونفى الشافعي ومَن معه أن يكون المراد بالتغنِّي الاستغناء؛ لأن الرسول ـ ﷺ ـ لو أراده لقال “مَن لم يَسْتَغْن” بدل يتغنَّ ” قال الطبري: المعروف عندنا في كلام العرب أن التغنِّي إنما هو الغناء الذي هو حُسْن الصوت بالترجيع: وردَّ القرطبي كلام الطبري، وذكر أن الترجيع والتطريب فيه هَمْزُ ما ليْس بمهْموز، ومدُّ ما ليس بممدود، ويؤدِّي ذلك إلى زيادة في القرآن وهو ممنوع. ثمَّ ذَكر القُرطبي أن الخلاف في التَّطْريب محلُّه إذا لم يترتَّب عليه عدم فهم القرآن، وإلا كان حرامًا بالاتفاق، وحمل بشدَّة على قُرَّاء مصر لذلك، ثم ذَكَر حديثًا رواه الترمذي الحكيم في ” نوادر الأصول”، وهو “اقرءوا القرآن بِلُحُونِ العرب وأصواتها وإياكم ولحونَ أهْل العِشْق ولُحون أهل الكتاب، وسيجيء بعدي قوم يرجِّعون بالقرآن تَرْجيع الغناء والنَّوْح، لا يُجاوز حناجرهم، مفتونةً قلوبُهم وقلوب الذين يُعجبهم شأنهم”، وقال: اللُّحون جمع لحن وهو التطريب وترجيع الصوت وتحسينه بالقراءة والشعر والغناء، انتهى.
غير أن ما يرويه الترمذي الحكيم فيه كلام كثير، وهو غير الترمذي صاحب السنن، والواجب في قراءة القرآن الخشوع والأدب في الأداء، والمحافظة على إخراج الحروف من مخارجها، وإعطاء المدِّ حقَّه وعدم التَّمْطيط الزائد، أو الانتقال المُفاجئ من رفع الصوت العالي إلى الانخفاض الشديد، وما يُشبه ذلك مما لا يُفَرق بين قراءة القرآن والغناء، والعلماء المُخْتصون بالتجويد والقراءات هم أهل الذكر في ذلك.