نظر الفجأة لا مؤاخذة عليه ولا إثم فيه ، وهو الذى يقع رغمًا عن الإنسان دون قصد ، وهذا بشرط أن يصرف الناظر بصره بمجرد وقوع عينه على عورة رجل أو امرأة . وعلى المتبرجة إثم تبرجها.

فقد قال الله تعالى: ( ‏قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ‏)
قال الإمام ابن كثير فى تفسير هذه الآية:
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا كما رواه مسلم في صحيحه من حديث يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: سألت النبي عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري.

وكذا رواه الامام أحمد و أبو داود والترمذي والنسائي . وقال الترمذي حسن صحيح وفي رواية لبعضهم فقال “أطرق بصرك” يعنى انظر إلى الأرض والصرف أعم فإنه قد يكون إلى الأرض وإلى جهة أخرى والله أعلم.

وفي الصحيح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : “إياكم والجلوس على الطرقات” قالوا يا رسول الله لا بد لنا من مجالسنا نتحدث فيها فقال رسول الله “إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه”.

قالوا وما حق الطريق يا رسول الله؟ – قال: “غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” وعن أبى أمامة قال : سمعت رسول الله يقول: “اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا أؤتمن فلا يخن وإذا وعد فلا يخلف وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم واحفظوا فروجكم”.
وفي صحيح البخاري : ( من يكفل لي ما بين لحييه وما بين رجليه أكفل له الجنة ) ، (انتهى)

النظر بين الرجال والنساء

يقول أ.د الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي :
مما حرمه الإسلام -في مجال الغريزة الجنسية- إطالة النظر من الرجل إلى المرأة ومن المرأة إلى الرجل. فإن العين مفتاح القلب، والنظر رسول الفتنة، وبريد الزنى. وقديما قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
وحديثا قال آخر:
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء
لهذا وجه الله أمره إلى المؤمنين والمؤمنات جميعا بالغض من الأبصار، مقترنا بأمره بحفظ الفروج: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ..) سورة النور:30-31.

وفي هاتين الآيتين عدة توجيهات إلهية منها توجيهان يشترك فيهما الرجال والنساء جميعا وهما الغض من البصر، وحفظ الفرج، والباقي موجه إلى النساء خاصة.

ويلاحظ أن الآيتين أمرتا بالغض من البصر لا بغض البصر، ولم تقل: “ويحفظوا من فروجهم” كما قالت (يغضوا من أبصارهم) فإن الفرج مأمور بحفظه جملة دون تسامح في شيء منه. أما البصر فقد سمح الله للناس بشيء منه رفعا للحرج، ورعاية للمصلحة كما سنرى.

معنى غض البصر

الغض من البصر ليس معناه إقفال العين عن النظر، ولا إطراق الرأس إلى الأرض، فليس هذا بمراد ولا مستطاع. كما أن الغض من الصوت في قوله تعالى: (واغضض من صوتك) سورة لقمان:19، ليس معناهإغلاق الشفتين عن الكلام، وإنما معنى الغض من البصر خفضه، وعدم إرساله طليق العنان يلتهم الغاديات والرائحات أو الغادين والرائحين. فإذا نظر إلى الجنس الآخر لم يغلغل النظر إلى محاسنه، ولم يطل الالتفات إليه والتحديق به.

ولهذا قال الرسول عليه السلام لعلي بن أبي طالب: “يا علي! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة”.

وقد جعل النبي عليه السلام النظرات الجائعة الشرهة من أحد الجنسين إلى الآخر زنى للعين، فقال: “العينان تزنيان وزناهما النظر”. وإنما سماه (زنى) لأنه ضرب من التلذذ والإشباع للغريزة الجنسية بغير الطريق المشروع.

ويطابق هذا ما جاء في الإنجيل عن المسيح عليه السلام: “لقد كان من قبلكم يقولون لا تزن وأنا أقول لكم: من نظر بعينه فقد زنى”.

إن هذا النظر المتلذذ الجائع ليس خطرا على خلق العفاف فحسب، بل هو خطر على استقرار الفكر، وطمأنينة القلب الذي يصاب بالشرود والاضطراب.
قال الشاعر :
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوماأتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قــادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر (انتهى)

فعلى المسلم أن يسارع بصرف نظره إذا وقع على محرم ، وكلما رأى امرأة متبرجة صرف بصره ، ولا يمل من الاستمرار فى صرف بصره عن الحرام ، فإن هذا من المجاهدة التى ينال عليها ثواباً كبيرًا ، ومن أسباب الإحساس بحلاوة الإيمان فى القلب .

فإذا فعل ذلك فلا إثم عليه فيما يرى دون تعمد وإن رأى مئات من المتبرجات كل يوم ، ما لم يحدق النظر أو يطيله أو يكرره .