إن غصب الأرض وأخذها ظلماً وعدواناً يعد من أشد المعاصي والعياذ بالله، وإن قضاء القاضي بإثبات الحق لأحد الخصمين لا يجعل ذلك حلالاً ، إن لم يكن ذلك في الواقع وحقيقة الأمر، وعلى المغتصب أن ينتظر عقاب الله تعالى له في الدنيا والآخرة.
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة – أستاذ الفقه وأصوله – جامعة القدس – فلسطين :ـ
لعل من أهم أسباب حدوث النزاع والخصام حول الأراضي وانتشار ذلك في هذه الأيام حيث إننا نطالع في الصحف إعلانات يدعي أصحابها ملكية أرض وإعلانات أخرى ترد على أولئك المدّعين وتنقض دعواهم ونحو ذلك من الخلافات .
أقول : لعل من أهم أسباب ذلك التهالك على الدنيا هو ضعف الوازع الديني لدى كثير من الناس حيث إن بعض الناس يأكلون أموال غيرهم بالباطل ويتوصلون إلى ذلك بطرق ملتوية وغير مشروعة .
والإسلام والحمد الله قرر طرق إثبات الحقوق في مثل حالات الخلاف هذه ، فالرسول ﷺ يقول: ( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودمائهم ، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ) رواه البيهقي وأصله في الصحيحين وهو حديث حسن .
فإذا ادعى إنسان أن قطعة الأرض المحددة له وأقام البينة الواضحة الصحيحة على ذلك فهي حق ثابت له ، ولا يملك القاضي إلا أن يحكم له بذلك ، وإذا تعذر ذلك توجه اليمين على المنكر .
ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث عن الأشعث قال : كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله ﷺ فقال رسول الله : ( شاهداك أو يمينه ، قلت : إذاً يحلف ولا يبالي ، فقال رسول الله ﷺ : من حلف على يمين يستحق بها مالاً هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان ، فأنزل الله تصديق ذلك ثم قرأ هذه الآية :( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا … ) رواه البخاري ومسلم .
وينبغي أن يعلم أن غصب الأرض وأخذها ظلماً وعدواناً يعد من أشد المعاصي والعياذ بالله وقد وردت أحاديث كثيرة في الترهيب من ذلك منها :
1. قول الرسول ﷺ : ( من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله إياه يوم القيامة في سبع أرضين ) رواه مسلم .
وللعلماء أقوال في تفسير التطويق المذكور في الحديث ، منها:
أنه يحمل مثله من سبع أرضين ويكلف إطاقة ذلك .
وقيـل: يجعل ذلك كالطوق في عنقه كما قال الله تعالى :( سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) قاله الإمام النووي رحمه الله .
وقال الإمام الخطابي رحمه الله : معناه أنه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين ويؤيد هذا المعنى الحديث التالي :
2. قال رسول ﷺ : ( من أخذ من الأرض شيئاً بغير حق خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين ) رواه البخاري وغيره .
3. وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن أروى بنت أويس خاصمته في بعض داره فقال : دعوها وإياها فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول : ( من أخذ شبراً من الأرض بغير حق طوقه في سبع أرضين يوم القيامة، اللهم إن كانت كاذبة ؛فأعم بصرها ، واجعل قبرها في دارها .
قال : فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول : أصابتني دعوة سعيد بن زيد . فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها ) رواه البخاري ومسلم .
4. وعن محمد بن إبراهيم أن أبا سلمة حدثه وكان بينه وبين قومه خصومة في أرض ، وأنه دخل على عائشة رضي الله عنها فذكر ذلك لها ، فقالت : يا أبا سلمة ، اجتنب الأرض ، فإن رسول الله ﷺ قال : ( من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين ) رواه البخاري ومسلم .
5. وعن أبي مالك الأشجعي أن النبي ﷺ قال : ( أعظم الغلول –الخيانة – عند الله عز وجل ذراع من الأرض أو في الدار فيقتطع من حظ صاحبه ذراعاً فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة ) رواه أحمد وهو حديثٌ حسن وغير ذلك من الأحاديث .
ولا بدَّ من التنبيه إلى أن قضاء القاضي بإثبات الحق لأحد الخصمين لا يجعل ذلك حلالاً إن لم يكن ذلك في الواقع وحقيقة الأمر، لأن القاضي يقضي حسب الظاهر ، ولعل أحد الخصمين يكون ألحن بحجته من الآخر، فيظهر أمام القاضي أنه محق وهو في الحقيقة مبطل، فيحكم له القاضي بذلك ، فإن حكم القاضي لا يجعل الحرام حلالاً .
يقول الرسول ﷺ ( إنكم تختصمون إليَّ ، و إنما أنا بشرٌ ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي له بما يقول ، فمن قضيت له بشيءٍ من حق أخيه بقوله فإنما أقطع له قطعةً من النار فلا يأخذها ) متفقٌ عليه .
وإن بعض الناس يقدمون على حلف الأيمان الكاذبة ليستولوا بها على حقوق الآخرين ويظنون أن ذلك هيناً وهو عند الله عظيم ، ولقد شدد الله سبحانه وتعالى في عقوبة هذه الجريمة النكراء يقول الله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).
يقول النبي ﷺ :( لا يقتطع الرجل حق امرء مسلم بيمينه إلا حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار. فقال رجل من القوم : يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً ؟ فقال : وإن كان سواكاً من أراك ) رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما وهو حديثٌ صحيح .