للمسلم حرمة حيا وميتا، فلا يجوز انتهاك حرماته في حياته، ولا الاعتداء عليه أو على كفنه في مماته، ومن يعتدي عليه بسرقة كفنه، فعلى الراجح من قول أهل العلم تقطع يده كسارق.
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:
حرمة المسلم حرمة عظيمة حياً كان أو ميتاً وقد ورد في الحديث قول الرسول ﷺ: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا” رواه البخاري ومسلم.
وقال الرسول ﷺ: “كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله” رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله ﷺ يطوف بالكعبة ويقول “ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً” رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني الألباني في صحيح الترغيب.
ونظر ابن عمر رضي الله عنه يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك رواه الترمذي
حرمة الأموات كحرمة الأحياء:
لا شك أن حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً فلا يجوز الاعتداء عليه وهو ميت في قبره، كما لا يجوز الاعتداء عليه حال حياته، لأن حرمة المسلم ليست مقيدة بحال الحياة، بل تعم حال الحياة وحال الممات.
ويدل على ذلك ما ورد في الحديث أن الرسول ﷺ قال “إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً” رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد وغيرهم، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل.
وجاء في رواية أخرى عند ابن ماجة ابن ماجة “كسر عظم الميت ككسر عظم الحيّ في الإثم” سنن ابن ماجة.
وروى البخاري بإسناده عن عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف موضع قريب من التنعيم بضواحي مكة المكرمة فقال ابن عباس هذه زوجة النبي ﷺ، فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وارفقوا ، قال الحافظ ابن حجر قوله وارفقوا إشارة إلى أن مراده السير الوسط المعتدل، ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته وفيه حديث كسر عظم المؤمن ميتاً ككسره حياً أخرجه أبو داود وابن ماجة وصححه ابن حبان فتح الباري.
وعن عمارة بن حزم قال رآني رسول الله ﷺ جالساً على قبر فقال “يا صاحب القبر انزل عن القبر لا تؤذي صاحب القبر ولا يؤذيك” رواه الطبراني في الكبير، وقال الحافظ ابن حجر إسناده صحيح، فتح الباري ، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته رواه ابن أبي شيبة في المصنف.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن الوطء على القبر فقال كما أكره أذى المؤمن في حياته فإني أكره أذاه بعد موته.
حرمة نبش القبور:
إذا تقرر هذا فإن الأصل عند أهل العلم هو حرمة نبش قبور المسلمين، لأن نبشها يعتبر انتهاكاً لحرمةٍ أوجب الشرع حفظها وصيانتها وقد قرر الفقهاء أنه لا يجوز نبش قبر الميت إلا لعذر شرعي وغرض صحيح، فالأصل هو حرمة نبش القبور إلا في حالاتٍ خاصة بينها الفقهاء وقد لعن النبي ﷺ نباش القبور، فقد ورد في الحديث أن النبي ﷺ: “لعن المختفي والمختفية” رواه البيهقي والحاكم، وهو حديث صحيح كما بينه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة.
والمقصود بالمختفي نباش القبور واللعن هو الإبعاد من رحمة الله سبحانه وتعالى، وقال العلماء اللعن على الفعل من أول الدلائل على تحريمه، واللعن لا يكون إلا على كبائر الذنوب، انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر ، وقال الحافظ ابن عبد البر وفي لعن رسول الله ﷺ النباش دليل على تحريم فعله والتغليظ فيه كما لعن شارب الخمر وبائعها وآكل الربا ومؤكله الاستذكار قطع يد النباش.
إذا تقررت حرمة الميت فإن جماعة من الفقهاء قد قالوا بقطع يد النباش،وهو من يفتش القبور عن الموتى ليسرق أكفانهم وحليهم وما يتعلق بهم، وهذا قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وأبي يوسف من الحنفية وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وإسحاق بن راهويه والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وهو قول الظاهرية، وقرروا أن النباش يعتبر سارقاً تجري عليه أحكام السارقين، فتقطع يده إذا سرق من أكفان الموتى ما يبلغ نصاب السرقة، لأن الكفن مال متقوم سُرق من حرز مثله وهو القبر، فكما أن البيت المغلق في العمران يعتبر حرزاً لما فيه عادة، وإن لم يكن فيه أحد، فإن القبر يعتبر عادةً حرزاً لكفن الميت. واستدلوا بأدلة منها قوله تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة المائدة.
حيث إن اسم السرقة يشمل النباش، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت سارق أمواتنا كسارق أحيائنا رواه البيهقي في كتاب المعرفة وعن يحيى النسائي قال كتبت إلى عمر بن عبد العزيز في النباش فكتب إليَّ إنه سارق ولقول النبي ﷺ من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه ومن نبش قطعناه رواه البيهقي في كتاب المعرفة، قالوا ومعناه أنه سرق مالاً كامل المقدار من حرز لا شبهة فيه فتقطع يده كما لو سرق لباس الحي، لأن الآدمي محترم حياً وميتاً، ولأن السرقة أخذ المال على وجه الخفية، وذلك يتحقق من النباش وهذا الثوب الكفن كان مالاً قبل أن يلبسه الميت فلا تختل صفة المالية فيه بلبس الميت، فأما الحرز فلأن الناس تعارفوا منذ ولدوا إحراز الأكفان بالقبور، ولا يحرزونها بأحصن من ذلك الموضع ، فكان حرزاً متعيناً له باتفاق جميع الناس، ولا يبقى في إحرازه شبهة ، لما كان لا يحرز بأحصن منه عادةً، ولأنه روي عن النبي ﷺ أنه أمر بقطع المختفي ، قال الأصمعي وأهل الحجاز يسمون النباش المختفي، إما لاختفائه بأخذ الكفن، وإما لإظهاره الميت في أخذ كفنه، وقد يسمى المظهر ، وهو من أسماء الأضداد قطع يد النباش إذا تقررت حرمة الميت فإن جماعة من الفقهاء قد قالوا بقطع يد النباش، وهو من يفتش القبور عن الموتى ليسرق أكفانهم وحليهم وما يتعلق بهم .
ومن أدلة الجمهور أيضاًما روي أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قطع نباشاً بعرفات وهو مجمع الحجيج، ولا يخفى ما جرى فيه على علماء العصر فما أنكره منهم منكر، ولأن جسد الميت عورة يجب سترها فجاز أن يجب القطع في سرقة ما سترها، ولأن قطع السرقة موضوع لحفظ ما وجب استبقاؤه على أربابه حتى ينزجر الناس عن أخذه، فكان كفن الميت أحق بالقطع لأمرين أحدهما أنه لا يقدر على حفظه على نفسه، والثاني أنه لا يقدر على مثله عند أخذه.