مما لا شك فيه أن الإنترنت من الوسائل التي يمكن أن تستخدم في الخير، ويمكن أن تستخدم في الشر، ولكل منهما مبتغوه، وواجب المسلمين اليوم الاستفادة من هذه الوسيلة في نشر الخير والفضيلة. والواجب كذلك الحذر أشد الحذر مما من شأنه أن يكون سبباً في الفتنة والوقوع في حبائل الشيطان.
ولا بأس من إنشاء مواقع تزويج بشرط أن تكون اللجنة القائمة عليها أمينة، وتقوم بحفظ المعلومات الواردة إليها.
يقول الشيخ سامي بن عبد العزيز الماجد ـ عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية:
هذه المواقع تقدم خدمة جليلة، حيث تدل كل طرف على الآخر بالطريق المشروع لإقامة العلاقة المشروعة، لا سيما لذوي الظروف الخاصة الذين قد لا يجدون من يناسبهم من حيث الظروف إلا في مثل هذه المواقع.
ولا حرج ولا إشكال في طريقة الإعلان من ذكر المواصفات العامة التي لا تسهب إلى حد الابتذال، وفي ذكر الشروط والمواصفات المرغوبة، بل ولا بأس – أيضاً – أن يصل التفاهم في البداية إلى حد المراسلة الجادة التي لا تُجرِّئ على المحادثة فضلاً عن اللقاء، وإنما ترتب للزيارة الأولى (زيارة الخطبة)
ولكن المشكلة تكمن في مدى جدية المعلنين من خلال هذه المواقع، لا سيما الشباب والذي يتصفح هذه الإعلانات إنما يتعامل مع (أشباح) لا يدري ما حقيقتها، ولا يعلم الصادق من الكاذب، ولذا ينبغي أن تأخذ المرأة بالتأني والاحتياط والحذر وهي تتعامل مع هذه الأشباح فمتى ما رأت من أحدهم حرصاً على توثيق العلاقة، وولوج باب المحادثة قبل خطبتها من ولي أمرها، فعليها أن تقطع كل المراسلات معه؛ لأنه لو كان جاداً في طلبه صادقاً في رغبته، لسارع إلى خطبتها خشية أن يسبقه أحد إليها.
وأما أن تنشر المرأة صورتها كاشفة الوجه في مثل هذه المواقع أو في غيرها فالأظهر أنه لا يجوز.
ويقول الشيخ حامد العلي ـ من علماء الكويت:
هذا [أي: وضع صور الفتيات] يفتح بابا من الشر والفتنة، لا يجوز أن توضع صور الفتيات على الانترنت لمن يرغب في الزواج، وكيف يجوز أن تجعل صور المسلمات وعناوينهن الالكترونية عرضا عاما مستباحا لمن يرغب في التمتع بالنظر والتعارف، ولا يصح الاحتجاج على هذا الفعل بجواز النظر إلى المخطوبة، لأنَّ في عرض الصور تمكينا للخاطب وغيره من النظر، وحتى الخاطب لا يجوز له النظر إلى المرأة بهذه الطريقة لأن جواز النظر متوقف على حصول غلبة الظن أن يجيبه أولياؤها وذلك لا يعرف إلا عن قرب ثم بعد ذلك يجوز له النظر إليها.
والواجب أن يكون ثمة لجنة من الموثوقين، ويشرف عليها بعض أهل الفضل والصلاح والأمانة، وتقوم بسرية تامة بحفظ معلومات ـ دون صور شخصية ـ لمن يرغب في الزواج، دون نشر أي شيء نشرا عاما ، وإنما ترسل المعلومات شخصيا، دون صور، ويدلون الراغبين لمن تصلح للزواج، كل في بلده، دون إرسال صورتها أو بريدها الالكتروني، وعليه هو أن يذهب إلى أوليائها خاطبا ، ويتحرى عنها، ويطلب الإذن بالنظر إليها، أو ينظر إليها إن غلب على ظنه إجابته، وتكون مهمة اللجنة القيام بالخطوة الأولى فقط، أما أن ترسل له صورة الفتاة ويتعرف عليها عبر الانترنت ويقيم علاقة معها، وقد يحدث مالا تحمد عقباه، فما هذا العمل إلا أشبه بالسعي بالفساد والفواحش بين المسلمين تحت ذريعة التزويج .
والحاصل أنه إذا كانت اللجنة بالشروط المذكورة فلا بأس بالتعامل معها للتزويج وليس فيه إن روعيت آداب الإسلامية حط من كرامة الفتاة وإن كان الأبوان لا يرفضان بل يكرهان فلا بأس.
ويقول أ.د مصطفى بن حمزة ـ أستاذ التعليم العالي لمادة مقاصد الشريعة بجامعة محمد الأول بوجدة ـ المغرب:
يمكن اعتماد المعطيات التي ترد في مواقع الزواج الإلكترونية أو على أعمدة الصحف كقاعدة معطيات أولى ترشح للزواج، وهو الأمر الذي كان الناس يقومون به إذ يفيدون الراغب في الزواج بجملة من المعلومات عن المرأة التي يرشحونها له.
لكن هذا لا يمكن الاكتفاء به أو الاستناد إليه، وإنما ينبغي البحث عن حقيقة من يريد المرء أن يقترن بها ليعرف خلقها وعقلها ودينها وكل ما يصلح أن يكون سببا للانسجام.
وقد تبين أن كثيرا من أنواع الزواج التي اكتفي فيها بالمعلومات التي تبثها مواقع الزواج لم يحالفها النجاح؛ لأن ما ينكشف بعد الزواج قد يكون هو السبب في الفراق.
وأظن أن مجتمعاتنا الإسلامية ما زالت متماسكة بالقدر الذي يفيد الراغب في الزواج إن هو أراد الحصول على معلومات أدق عمن يريد أن يرتبط به.