يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر:
نفقة الأقارب غير الأصول والفروع، كالإخوة والأخوات، ونحوهم من ذوي القُرْبى، فإن مذهب جمهور الفقهاء، وُجوب نفقتهم على قريبهم، بشروط نفقة الأصول والفروع، لحديث: “يد المعطي العليا وابدأ بمَن تعول، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك”، حيث ذكر ضمن المُعالين الإخوة والأقرب من الأقارب، فيجب لهم بقَدْر الكفاية المأكل والمشرب والملبَس والمسكن، مراعًا في ذلك العُرْف وحال المُنفِق والمُنْفَق عليه: وظروف الزمان والمكان.
ويرى جمهور الفقهاء أن هذه النفقة تجب على وجه لا تَصِير به دَيْنًا في ذمة المُنفِق، ومِن ثَمَّ فإنها تَسقُط بمُضِيِّ المُدَّة؛ لأنها وجبت لدفع الحاجة الناجِزَة، على سبيل المُواسَاة لهؤلاء، فإذا مضت المدة دون دفعها زالت هذه الحاجة فتَسقُط، ويمتنع السقوط بمُضِيِّ المدة، إذا أنفق على القريب شخص غير متبرِّع أو فرضها القاضي على مَن وَجَبَت عليه، وكل هذا يُدَلِّل على عناية التشريع الإسلامي بالترابُط الأسْرِي، وصلة الرحم بين أفراد الأسرة، وشيوع التكافل بينهم، ليَنْصَلِح حال الأسرة، وينصلح بصلاحها حال المجتمع بأسْرِه.
ويقول الدكتور سلمان بن فهد العودة:
النفقة على الأخوة وسائر القرابات: قيل: تلزم إن كان المنفق وارثاً لهم، لم يحجب عنهم. لقول الله تعالى : [وعلى الوارث مثل ذلك] وهو المشهور من مذهب الحنابلة. انظر الإنصاف (9/393)، وهو مذهب الحنفية إلا أن الحنفية يشترطون المحرمية بدلاً من التوارث، انظر بدائع الصنائع (4/31) .
وقال ابن حزم في المحلى (9/266): 1929 ـ : فرض على كل أحد من الرجال والنساء الكبار والصغار أن يبدأ بما لا بد له منه، ولا غنى عنه به : من نفقة وكسوة، على حسب حاله وماله، ثم بعد ذلك يجبر كل أحد على النفقة على من لا مال له ولا عمل بيده مما يقوم منه على نفسه : من أبويه، وأجداده، وجداته، وإن علوا – وعلى البنين والبنات وبنيهم – وإن سفلوا – والإخوة والأخوات والزوجات – : كل هؤلاء يسوى بينهم في إيجاب النفقة عليهم، ولا يقدم منهم أحد على أحد – قل ما بيده بعد موته أو كثر – لكن يتواسون فيه، فإن لم يفضل له عن نفقة نفسه شيء : لم يكلف أن يشركه في ذلك أحد ممن ذكرنا، فإن فضل عن هؤلاء ـ بعد كسوتهم ونفقتهم ـ شيء أجبر على النفقة على ذوي رحمه المحرمة وموروثيه، إن كان من ذكرنا لا شيء لهم، ولا عمل بأيديهم تقوم مؤنتهم منه، وهم الأعمام، والعمات – وإن علوا – والأخوال والخالات – وإن علوا – وبنو الإخوة – وإن سفلوا.
والموروثون هم : من لا يحجبه أحد عن ميراثه إن مات، من عصبة أو مولى من أسفل، فإن حجب عن ميراثه لوارث فلا شيء عليه من نفقاتهم.
ومن مرض ممن ذكرنا كلف أن يقوم بهم وبمن يخدمهم، وكل هؤلاء فمن قدر منهم على معاش وتكسب – وإن خس – فلا نفقة لهم، إلا الأبوين والأجداد، والجدات، والزوجات فإنه يكلف أن يصونهم عن خسيس الكسب – إن قدر على ذلك .اهـ
وذهب مالك والشافعي إلى أن النفقة لا تجب على الإخوة، قال مالك كما في المدونة في الفقه المالكي (2/263): أرأيت إن كان لي والد معسر وأنا موسر ولوالدي أولاد صغار أنفق عليه وعلى إخوتي الصغار الذين في حجره من مالي وعلى كل جارية – من ولد أبي في حجره – بكر؟ قال : قال لي مالك : ينفق على الأب من مال الولد وعلى امرأته، ولا أرى أن تلزمه النفقة على إخوته إلا أن يشاء. اهـ
وقال الشافعي في الأم (5/97): ويلزم الزوج نفقة ولده على ما ذكرت من قدر نفقة امرأته وكسوته ما كان عليه أن ينفق عليه فإن كانوا مماليك فليس عليه نفقتهم وإذا عتقوا فعليه نفقتهم، وينفق على ولده وولد ولده وآبائه كما وصفت، ولا ينفق على أحد أقربائه غيرهم لا أخ ولا عم ولا خالة ولا على عمة ولا على ابن من رضاعة ولا على أب منها، قال: وكل زوج حر مسلم وذمي ووثني عنده حرة من النساء في هذا كله سواء لا يختلفون. اهـ
ومذهب الحنابلة أقوى ؛ لأن الله أمر بصلة الرحم، وعدم النفقة عليهم موجب لقطعها، وقد قال تعالى: [وعلى الوارث مثل ذلك]
والله أعلم .