في الأحاديث الآمرة والمرغبة في عيادة المريض : دلالة على مشروعية العيادة لكل مريض، سواء كان مرضه شديدًا أم خفيفًا.
وأما ما أخرجه البيهقي والطبراني مرفوعًا : ” ثلاثة ليس لهم عيادة : العين والدمل والضرس ” فصحح البيهقي أنه موقوف على يحي بن أبى كثير.
ومعنى هذا أنه لم يصح مرفوعًا إلى النبي -ﷺ-، ولا حجة إلا في كلامه.
قال الحافظ ابن حجر : (وقد جاء في عيادة الأرمد بخصوصها حديث زيد بن أرقم قال: عادني رسول الله -ﷺ- من وجع كان بعيني . أخرجه أبو داود وصححه الحاكم، وهو عند البخاري في الأدب المفرد، وسياقه أتم). (الفتح 10/113، وانظر : الأدب المفرد للبخاري : باب العيادة من الرمد، حديث 532).
كما تشرع عيادة المريض سواء كان متعلمًا أم جاهلاً، حضريًا أم بدويًا، يقدر معنى العيادة أم لا يقدرها.
وقد ذكر الإمام البخاري في ( كتاب المرضى) من صحيحه (باب عيادة الأعراب) ذكر فيه حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي -ﷺ- دخل على أعرابي يعوده، قال له : ” لا بأس، طهور إن شاء الله ” . قال – أي الأعرابي -: قلت : طهور ؟ كلا، بل هي حمى تفور – أو تثور – على شيخ كبير، تزيره القبور . فقال النبي -ﷺ- : ” فنعم إذن . (البخاري مع الفتح حديث 5656).
ومعنى قول النبي -ﷺ- : ” لا بأس، طهور إن شاء الله ” أنه يرجو للأعرابي زوال البأس والشدة عنه، كما يرجو أن يكون المرض مطهرًا له من ذنوبه ومكفرًا لخطاياه، فإن حصلت العافية فقد حصلت الفائدتان، وإلا حصل ربح التكفير.
ومن جفاء هذا الأعرابي أنه أنكر رجاء النبي -ﷺ- ودعاءه، فولاه النبي الكريم ما تولى، وقال له : ” فنعم إذن “، أي إذا أبيت فنعم، أي كان كما ظننت.
وقد ذكر في الفتح أن الدولابي في (الكنى) وابن السكن في ( الصحابة ) أخرجا قصة الأعرابي وفيها : فقال النبي -ﷺ- : ” ما قضى الله فهو كائن ” فأصبح الأعرابي ميتًا !
ونقل عن المهلب قوله : فائدة هذا الحديث أنه لا نقص على الإمام في عيادة مريض من رعيته، ولو كان أعرابيًا جافيًا، ولا على العالم في عيادة الجاهل ليعلمه ويذكره بما ينفعه، ويأمره بالصبر لئلا يتسخط على قدر الله، فيسخط عليه، ويسليه عن ألمه، بل يغبطه بسقمه، إلى غير ذلك من جبر خاطره، وخاطر أهله وفيه : أنه ينبغي للمريض أن يتلقى الموعظة بالقبول، ويحسن جواب من يذكره بذلك. (الفتح 10 / 119).