كلمة مقولة “الدين للجميع ” من العبارات التي دارت على ألسنة الكثيرين من الناس المثقفين منهم وغير المثقفين ، وهذه الكلمة غير محددة المعالم ، وعدم الوقوف على المراد من اللفظ يوقع في أكثر الأحيان إلى الخلط في تحديد المراد منه .
ومن الاحتمالات التي تحتملها هذه الكلمة أن تكون بمعنى التدين ، وهذا أمر يشترك فيه جميع الناس ، أما إذا كان المراد منها علم الدين فعلم الدين له وجهان:
أحدهما التعلم : والتعلم واجب على المكلفين أن يتعلموا الأساسيات مندوب في الكماليات .
والثاني التعليم : وتعليم الناس أمور دينهم فهذا ليس حمى مباحا لكل من أراد بل هو موقوف على من أسماهم الله في كتابه (( أهل الذكر )) الذين أفنوا حياتهم في طلب العلم منذ نعومة أظفارهم ، فحق التعليم مكفول لهؤلاء العلماء .
يقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا :
هناك مقولة ترددت على ألسنة كثير ممن لهم ميول خاصة يحاولون بها عدم التقيد بالحدود التي يفرضها الدين ، أو عدم الحاجة إلى سؤال أهل الذكر من المختصين ، هذه المقولة هي:
الدين للجميع ” وأبادر فأقول : إن عدم تحديد المفاهيم من أكبر العوامل للضلالة والانحراف وللتطرف والإرهاب ، قد يسلك به الإنسان سلوكا يظن أنه يوصله إلى المقصود ، فيفاجأ بعد طول عناء أن الطريق أمامه مسدود ، وقد تدفعه ثقافته الدينية المحدودة إلى انتحال صفة الإفتاء ، وعدم التحرج من الإجابة عن كل سؤال ، وهنا يحق عليه قول النبى ﷺ ” إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا ” .
ألا فلنعلم جميعا أن مقولة ” الدين للجميع ” لها عدة احتمالات ، فإذا كان المراد بلفظ الدين هو التدين أو ممارسة تعاليم الدين والتعبد لله به فكلنا مكلفون بذلك ، من عهد آدم إلى خاتم الأنبياء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وقد قالها رب العزة لآدم عندما أهبطه على الأرض ، وتتابعت الرسل للدعوة عليها والتذكير بها ” فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى .
وليس الدين بمعنى التدين حقا للجميع فقط بل هو واجب مفروض ، لأنه هداية لكل البشر لا لقوم مخصوصين ، فليس فيهم من يسقط عنهم التكليف ، حتى لو كانوا من الأنبياء والمرسلين.
أما إذا كان المراد بقوله ” الدين للجميع ” هو علم الدين فعلم الدين له وجهان : أحدهما التعلم ، والثاني التعليم.
أما التعلم فهو حق للجميع ، بل هو واجب في الأساسيات مندوب في الكماليات ، ليعرف حق الله والمجتمع عليه ، وليكمل نفسه بالمعارف التي توفر له السعادة والرقي ، والنصوص في ذلك أشهر من أن تذكر .
وأما التعليم فليس على إطلاقه حقا ، بل هو خاص بمن فقهوا الدين وصاروا به أهل الذكر ، ولهؤلاء أن يعلموا غيرهم القدر الذي علموه ، بل قد يفرض عليهم ذلك على وجه الكفاية أو التعيين ، قال تعالى ” فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ” . لست بهذا داعيا إلى ما يسمى باحتكار الدين ، أو إلى خلق كهنوت خاص له الأمر والنهى والتحكم في مصائر الناس ، ولكن أدعو إلي العلم الصحيح ، وبعد إتقانه والاطمئنان إلى كفاءة المتعلم يكون له الحق كل الحق في تعليم غيره ، وتولى قيادة التوجيه ، وذلك شأن أي تخصص آخر ، هو حق لكل راغب فيه بعد التعلم والاستعداد له عن طريق الأساليب التي اتفق عليها القائمون على مناهج التعليم .
إني أهمس في أذن من يسيئون فهم التعبيرات ، واستغلال الدين في تحقيق أغراض غير مشروعة . إن المتخصصين في فرع علمي لا يقبلون مزاحمة غيرهم لهم فيه ، لا في الممارسة ولا في مجرد اللقب ، فكيف يستسيغون مزاحمتهم للمتخصصين فى المعرفة الدينية ؟ هل التعليم الديني بهذا الهوان حتى يسومه كل مفلس ؟ لماذا يتركون تخصصاتهم ويقحمون أنفسهم فيها فيما يجيدون ؟ هل نسوا أن تخصصاتهم لها من الأهمية والمكانة بحيث لا يستغني عنها أي مجتمع يريد لنفسه القوة والتقدم ؟ وبتعاون كل التخصصات لا بتنازعها يستفيد الفرد ويستفيد المجتمع ، إن عالم الدين يحتاج إلى الطبيب ليعالجه ، وإلى المهندس ليقيم له مشروعه ، وفي المقابل يحتاج كل منهما إلى من يصحح له عقيدته ويرشده إلى حكم الله في العبادة والسلوك . فليعرف كل إنسان واجبه ، وليقف عند حده ، فبالنظام والتنسيق يكون الإصلاح .