أتم الله تعالى لنا الدين،ورضي لنا الإسلام ملةومنهاجًا،فبه ينصلح حال الناس،و ينالون السعادة في الدارين،فإن ابتغوا العزة في غيره ،فلا سبيل لهم إليها،إذ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين الذين يتبعون منهج الله تعالى ،العاملين على رفع رايته ،الحامين حوضه ،المراعين حدوده ،القائمين على نشره وتطبيقه،
وقد نقل الإمام ابن العربي أحد فقهاء المالكية أقوالاً متعددة في كمال الدين وتمام المنة،يقول في كتابه :أحكام القرآن في تفسير قوله تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم ،وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا).
في معنى كمال الدين وتمام النعمة كلام طويل لبابه في سبعة أقوال :
الأول : أنه معرفة الله ، أراد : ” اليوم عرفتكم بنفسي بأسمائي وصفاتي وأفعالي فاعرفوني ” .
الثاني : اليوم قبلتكم وكتبت رضائي عنكم لرضائي لدينكم ؛ فإن تمام الدين إنما يكون بالقبول .
الثالث : اليوم أكملت لكم دعاءكم ; أي استجبت لكم دعاءكم ، ودعاء نبيكم لكم . ثبت في الصحاح أن النبي ﷺ قال : { أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة } .
الرابع : اليوم أظهرتكم على العدو بجمع الحرمين له أو بتعريف ذلك فيه .
الخامس : اليوم طهرت لكم الحرم عن دخول المشركين فيه معكم ، فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ، ولا طاف بالبيت عريان، ولا كان الناس صنفين في موقفهم ; بل وقفوا كلهم في موقف واحد .
السادس : اليوم أكملت لكم الفرائض وانقطع النسخ .
السابع : أنه بكمال الدين لم ينزل بعد هذه الآية شيء ; وذلك أن الله سبحانه لم يزل يصرف نبيه وأصحابه في درجات الإسلام ومراتبه درجة درجة حتى أكمل شرائعه ومعالمه وبلغ أقصى درجاته ، فلما أكمله تمت به النعمة ورضيه دينًا ، كما هو عليه الآن ; يريد : فالزموه ولا تفارقوه ولا تغيروه ، كما فعل سواكم بدينه .
في المختار من هذه الأقوال : كلها صحيحة ، وقد فعلها الله سبحانه فلا يختص بعضها دون بعض ; بل يقال إن جميعها مراد الله سبحانه وما تعلق بها مما كان في معناها ، إلا أن قوله : إنه لم ينزل بعده آية ولا ذكر بعده حكم لا يصح ; وقد ثبت عن البراء في الصحيح أن البراء قال : ” آخر آية نزلت { يستفتونك } وآخر سورة نزلت ” براءة ” .
وفي الصحيح ، عن ابن عباس قال : ” آخر آية نزلت آية الربا ” . وقد روي أنها نزلت قبل موت النبي ﷺ بيسير . والذي ثبت في تاريخه حديث عمر وابن عباس في قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } أنه يوم عرفة ، فهذا تاريخ صحيح لا غبار عليه .
والخلاصة: أن كمال الدين وتمام المنة يشمل كل ماقيل من أقوال،وذلك أن فضل الله تعالى واسع ،لايحد حد،فهو سبحانه ذوالفضل العظيم.