عُرِض بيان الحكم في كتابة المصحف بالرسم الإملائي قديمًا على لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، فأجابت بما ملخصه:
إن عثمان ـ رضي الله عنه ـ أمر بأن تُنسخ عدة نُسخ من المُصحَف الذي كان موجودًا عند السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ وعن أبيها، وكان هذا المُصحَف عند عمر ومن قبله أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنهما ـ وكان المصحف مأخوذًا من القطع المتعدِّدة التي كان مكتوبًا عليها في زمن النبي ـ .
ووزَّع عثمان هذه النسخ على الأمصار واستبقى واحدة منها بالمدينة، وكل مصحف من هذه المصاحف يسمَّى “المصحف الإمام” وقد رُسِمت بعض الكلمات في هذه المصاحف رسمًا يخالف قواعد الإملاء المعروفة الآن. وجرى المسلمون من عهد عثمان إلى الآن على اتباع الرسم العثماني. فهل يُلتزم هذا الرّسم أو يجوز العدول عنه إلى رسم آخر يلائم العصر الحديث؟ ذهب جمهور الأئمة إلى التزام الرسم العثماني وحُرمة مخالفته، واستدلُّوا على ذلك بإجماع الصحابة على الصِّفة التي كتب بها عثمان، ولم يُرْوَ عن واحد منهم أنّه كتب القرآن على غير هذه الصِّفة.
وذهب بعض العلماء إلى جواز كتابته بأي رسم كان، فكل رسم حصلت به الدَّلالة فهو جائز، ولم يثبت أن النبيّ ـ ـ أمرَ بهذا الرسم، بل الثابت أنّه كان يأمر بكتابة ما نزل، ولم يتعرَّض للكيفيّة التي كُتِب بها.
وإجماع الصحابة لا يدلُّ على أكثر من جواز رسمه على نحو ما كتب الصحابة أمَّا رَسمه على غير هذه الطَّريقة فلم تتعرَّضْ له الصّحابةُ لا بحظر ولا إباحة، وقد وضح ذلك أبو بكر الباقلاني في كتابه “الانتصار”.
ولكن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف اختارت بقاء المصحف على الرسم الذي كان عليه في عهد عثمان ـ رضي الله عنه ـ وعدم كتابته على الرسم الإملائي الحديث، فإن الرسم الحديث ما يزال موضِع الشكوى لعدم تيسُّر القراءة به، حيث توجَد به أحرف لا تُنطَق وتنقُص منه حروف تُنطق، ولا تتيسّر القراءة والفهم إلا بعد التمرُّن الطويل والإتقان لمعرفة قواعد الإملاء.
ثم إن قواعد الإملاء عُرْضة للتعديل، فهل يُكتب القرآن على القواعد الإملائيّة أو المُعدّلة أو القديمة، وقد توجد عدة نُسخ مختلفة الرسم، وهنا تكون البلبلة والتعرُّض لتحريف القرآن وضعف الثقة فيه.
ثم إن تلاوة القرآن لا تؤخَذ أبدًا من الرسم، بل من التلقي؛ لأنّ هناك أحكامًا لتجويد القرآن، وإخراج الحروف من مخارجها الحقيقية لا يمكن للشكل الإملائي أن يدلَّ عليها، ولذلك أرسل عثمان مع المصاحِف قُرّاءً، فأمر زيد بن ثابت أن يُقرئ بالمدينة، والمُغيرة بن شهاب أن يُقرئ بالشام وعامر بن عبد قيس أن يقرئ بالبصرة، وأبا عبد الرحمن السلمي أن يقرئ بالكوفة فاللائق بقدسية القرآن بقاء كتابته على الرسم العثماني أهـ.
بناء على ماسبق لا تُطبَع المصاحف الآن على القواعد الإملائيّة المعروفة، فمن أراد أن يقرأ القرآن فليكن أوّلاً على عالم به مُجيد له، والقليل المجوَّد أفضل من الكثير الملحون أو غير السليم.