الإسلام حثَّ على النظر والتفكر في ملكوت السموات والأرض، وشجَّع على ذلك تشجيعًا ورد في كثير من آيات القرآن الكريم، وذكر الحكمة منه بأن فيه آيات وعلامات لِذَوِى العقول النيِّرة يُدرِكون بها من أسرار الكون ما يَحمِلهم على الإيمان بخالقه، أو تعميق الإيمان به لمن سَبَق له الإيمان كما أن من أهداف الحثِّ على النظر الشامل: الانتفاع بما سخَّر الله في الكون انتفاعًا يساعد على أداء رسالة الإنسان في الحياة وتحقيق الخلافة في الأرض.
غير أن عقل الإنسان له حدود لا يستطيع معها أن يُدرِك كل الأسرار، وحواسه التي تقدم له التصورات مجالاتها محدودة كما ثبت علميًّا ، وبالتالي تكون النتائج والمعطيات العقلية محدودة أيضًا، وهناك من الأمور الغيبية التي توقف العلم بها على الخبر الصادق من الرسل المبلغين عن الله ما لا مجال للعقل فيه، ضرورة أنه لا يُدرك بالحواس، والخبر إذا صدق كان مجال العقل فيه بعيدًا عن النفي والإثبات، وإن كانت له صولات وجولات في بيان حكمته مثلاً. وعلى فرض عدم وصوله إلى إدراك الحكمة فإن ذلك لا يؤثر على وجوده، فلا تَلازُم بينهما.
والملائكة من عالم الغيب الذي يجب الإيمان به كما ورد في هذا النطاق فحسب، وللملائكة خواصُّ ليست للبشر ولا للعالم المادي المعروف، (جاعِلِ المَلائكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ) (سورة فاطر: 1) (عَلَيْهَا ملائكةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤمَرُونَ) (سورة التحريم : 9) (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ولا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (سورة الأنبياء : 19، 20) (تَعْرُجُ الملائكَةُ والرُّوحُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (سورة المعارج : 4) إلى غير ذلك من النصوص الواردة في القرآن والسنة.
وما دامت لهم خواص غير خواص سائر المخلوقات، فإن محاولة قياس أحوالهم في السرعة وغيرها على السرعة المعروفة لنا محاولة غير كافية للوصول إلى نتيجة صحيحة، ذلك لأن القياس ، كما هو معروف، قياس مع الفارق.
وما تَصِلُ إليه هذه الأبحاث لا يَلْزَمُنا تصديقها فهي لم تصل بعد إلى درجة الحقائق العلمية المسلَّمة، والفروض والظنون لا يجوز أبدًا أن نَحْمِل عليها آيات القرآن، أو نُفسِّرها على ضوئها.
ونحن الباحثين ـ مع تسليمنا بموقف الإسلام من النظر في الكون وهو التشجيع ـ على أن يكون نشاطهم في النطاق الذي يمس مشاكلنا مسًّا قويًّا في المجال الفكري والاجتماعي والأخلاقي الذي نَصِل به إلى المستوى اللائق بنا، وإذا صَدَقَتِ النية في البحث كانت مَعُونةُ الله بالتوفيق.