فضل البكاء من خشية الله في السنة النبوية:
-عن أبي مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال لي النبي صلى اللهُ عليه وسلم: “اقرأ علي القرآن” قلت: يا رسول اللَّه ، أقرأ عليك، وعليك أنزل؟، قال: ” إِني أحب أن أسمعه من غيري” فقرأت عليه سورة النساء، حتى جئت إلى هذه الآية: { فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً } قال: ” حسبك الآن” فالتفت إِليه، فإذا عيناه تذرفان. متفقٌ عليه.
-عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللهُ عليه وسلم: ” لايلج النار رجل بكى من خشية اللَّه حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل اللَّه ودخان جهنم” رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .
وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللهُ عليه وسلم:” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّق بالمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه، اجتَمَعا عَلَيهِ وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجَلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ، فَقَالَ : إِنّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةَ فأَخْفاها حتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمالهُ ما تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” متفقٌ عليه .
-عن عبد اللَّه بن الشخير-رضي اللَّه عنه- قال: أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ.
-وقال رسول الله ﷺ: ” عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله”.
-عن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله ﷺ خطبة ما سمعت مثلها قط فقال:” لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا”، فغطى أصحاب رسول الله ﷺ وجوههم ولهم خنين.
-وفي رواية : بلَغَ رسول الله ﷺ عن أصحابه شيء فخطب فقال: “عرضت عليَّ الجنة والنار فلم أر كاليوم من الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا” فما أتى على أصحاب رسول الله ﷺ يوم أشد منه غطوا رؤوسهم ولهم خنين، والخنين: هو البكاء مع غنّة.
البكاء من خشية الله عند الصحابة والتابعين:
-عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ابكوا فان لم تبكوا فتباكوا، فوالذى نفسي بيده لو يعلم العلم أحدكم لصرخ حتى ينقطع صوته وصلى حتى ينكسر صلبه.
-بكى معاذ رضي الله عنه بكاء شديدا فقيل له ما يبكيك؟ قال: لأن الله عز وجل قبض قبضتين واحدة في الجنة والأخرى في النار، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون.
-وبكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني الله غداً في النار ولا يبالي.
-كان بعض الصالحين يبكي ليلاً ونهاراً، فقيل له في ذلك، فقال: أخاف أن الله تعالى رآني على معصية ، فيقول : مُرَّ عني فإني غضبان عليك.
-ولهذا كان سفيان يبكي ويقول : أخاف أن أسلب الأيمان عند الموت.
-وهذا إسماعيل بن زكريا يروي حال حبيب بن محمد وكان جارا له، يقول: كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه وإذا أصبحت سمعت بكاءه، فأتيت أهله، فقلت ما شأنه ؟ يبكي إذا أمسى، ويبكي إذا أصبح؟! قال: فقالت لي: يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح و إذا أصبح أن لا يمسي.
-لقد كان السلف كثيرو البكاء والحزن، فحين عوتب يزيد الرقاشى على كثرة بكائه، وقيل له: لو كانت النار خُلِقتْ لك ما زدت على هذا ؟! قال: وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الجن و الإنس؟؟
-وحين سئل عطاء السليمي: ما هذا الحزن قال :ويحك، الموت في عنقي، والقبر بيتي، وفي القيامة موقفي وعلى جسر جهنم طريقي لا أدري ما يُصنَع بي.
-وكان فضالة بن صيفي كثير البكاء، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته ما شأنه؟ قالت: زعم أنه يريد سفراً بعيداً وماله زاد، وانتبه الحسن ليلة فبكى، فضج أهل الدار بالبكاء، فسألوه عن حاله فقال: ذكرت ذنبا لي فبكيت، وعن تميم الداري رضى الله عنه أنه قرأ هذه الآية: ” أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات” فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي.
-كان حذيفة رضي الله عنه يبكي بكاءً شديداً، فقيل له: ما بكاؤك؟ فقال: لا أدري على ما أقدم، أعلى رضا أم على سخط؟
-وقال سعد بن الأخرم : كنت أمشي مع ابن مسعود فمَّر بالحدَّادين و قد أخرجوا حديدا من النار فقام ينظر إلى الحديد المذاب ويبكي.
وما هذا البكاء إلا لعلمهم بأن الأمر جد والحساب قادم ولا يغادر صغيره ولا كبيره إلا أحصاها.