عدة الوفاة فريضة شرعية على كل زوجة مات عنها زوجها عجوزاً كانت أم غير عجوز مدخولاً بها أو غير مدخول بها والحكمة من العدة على وجه القطع لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وليس لنا إلا أن نقول {سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}.
يقول الأستاذ الدكتور حسام عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين :- :
عدة الوفاة فريضة على كل امرأة مات عنها زوجها سواء كانت عجوزاً أو غير عجوز وسواء كانت تحيض أو لا تحيض والمدخول بها وغير المدخول بها سواء في لزوم عدة الوفاة لقول الله تعالى { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } سورة البقرة الآية 234. فالآية الكريمة عامة في كل زوجة مات عنها زوجها لقوله تعالى [أَزْوَاجاً] فيجب على كل زوجة مات عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام إلا إذا كانت حاملاً فتعتد بوضع الحمل على الراجح من أقوال أهل العلم. ويدل على وجوب العدة قوله تعالى [يَتَرَبَّصْنَ ] فهذا خبر بمعنى الأمر والأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب.
ما هي عدة الوفاة لغير المدخول بها:
قال العلامة ابن القيم: [ وأما عدة الوفاة فتجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل اتفاقاً كما دل عليه عموم القرآن والسنة ] زاد المعاد في هدي خير العباد 5/664.
وقال الإمام القرطبي: [ عدة الوفاة تلزم الحرة والأمة والصغيرة والكبيرة والتي لم تبلغ المحيض، والتي حاضت واليائسة من المحيض والكتابية – دخل بها أو لم يدخل بها إذا كانت غير حامل – وعدة جميعهن إلا الأمة أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لعموم الآية في قوله تعالى: { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً }… ] تفسير القرطبي 3/183.
وروى الإمام الترمذي بإسناده عن ابن مسعود رضي الله عنه ( أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: [ لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث ] فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله ﷺ في بروع بنت واشق امرأة منا مثل الذي قضيت. ففرح بها ابن مسعود ) وقال أبو عيسى الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح ) سنن الترمذي ،فهذا الحديث يدل على لزوم عدة الوفاة للزوجة وإن لم يدخل بها وهذا على خلاف المطلقة قبل الدخول فلا عدة عليها لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} سورة الأحزاب الآية 49.
الحكمة من العدة:
ذكر بعض أهل العلم حكماً للعدة فمن ذلك ما قاله العلامة ولي الله الدهلوي: اعلم أن العدة كانت من المشهورات المسلمة في الجاهلية وكانت مما لا يكادون يتركونه وكان فيها مصالح كثيرة: منها معرفة براءة رحمها من مائه لئلا تختلط الأنساب فإن النسب أحد ما يتشاح به ويطلبه العقلاء وهو من خواص نوع الإنسان ومما امتاز به من سائر الحيوان وهو المصلحة المرعية في باب الاستبراء.
ومنها التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لم يكن أمراً ينتظم إلا بجمع رجال ولا ينفك إلا بانتظار طويل ولولا ذلك لكان بمنزلة لعب الصبيان ينتظم ثم يفك في الساعة. ومنها أن مصالح النكاح لا تتم حتى يوطنا أنفسهما على إدامة هذا العقد ظاهراً فإن حدث حادث يوجب فك النظام لم يكن بد من تحقيق صور الإدامة في الجملة بأن تتربص مدة تجد لتربصها بالاً وتقاسي لها عناءً] حجة الله البالغة 2/256-257.
قال شيخنا – أي شيخ الإسلام ابن تيمية – : والصواب أن يقال: أما عدة الوفاة فهي حرم لانقضاء النكاح، ورعاية لحق الزوج، ولهذا تحد المتوفى عنها في عدة الوفاة رعاية لحق الزوج، فجعلت العدة حريماً لحق هذا العقد الذي له خطر وشأن، فيحصل بهذه فصل بين نكاح الأول ونكاح الثاني، ولا يتصل الناكحان، ألا ترى أن رسول الله ﷺ لما عظم حقه، حرم نساؤه بعده، وبهذا اختص الرسول، لأن أزواجه في الدنيا هن أزواجه في الآخرة بخلاف غيره، فإنه لو حرم على المرأة أن تتزوج بغير زوجها، تضررت المتوفى عنها، وربما كان الثاني خيراً لها من الأول.
ولكن لو تأيمت على أولاد الأول، لكانت محمودة على ذلك، مستحباً لها، وفي الحديث:( أنا وامرأة سفعاء الخدين، كهاتين يوم القيامة، وأومأ بالوسطى والسبابة، امرأة آمت من زوجها ذات منصب وجمال، وحبست نفسها على يتامى لها حتى بانوا أو ماتوا). وإذا كان المقتضي لتحريمها قائماً فلا أقل من مدة تتربصها، وقد كانت في الجاهلية تتربص سنة، فخففها الله سبحانه بأربعة أشهر وعشراً، وقيل لسعيد بن المسيب: ما بال العشر؟ قال: فيها ينفخ الروح، فيحصل بهذه المدة براءة الرحم حيث يحتاج إليه، وقضاء حق الزوج إذا لم يحتج إلى ذلك] زاد المعاد في هدي خير العباد 5/665-666.
وخلاصة الأمر أن عدة الوفاة فريضة شرعية على كل زوجة مات عنها زوجها عجوزاً كانت أم غير عجوز مدخولاً بها أو غير مدخول بها والحكمة من العدة على وجه القطع لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وليس لنا إلا أن نقول {سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير }.