أجاز الفُقَهاء تولِّي الرجال تداوي المرأة المريضة ، إذا لم تُوجَد امرأة يُمكِنُها تَطْبِيب المرأة أو توليدها أو تمريضها ، أو وُجِدَت وكان الرجل أمهر منها في ذلك ، ولكن بقيود منها : عدم الخلوة ، وأن لا يكشف الطبيب إلا مقدار الحاجة ، وأن تكون المرأة بحاجة إلى المُداوَاة ، وأن لا يكون الطبيب كافرًا مع وجود المسلم ، وأمن الفتنة.
يقول أ.د.عبد الفتاح إدريس :
التداوي من المرض مشروع، وقد رغَّب رسول الله ـ ﷺ ـ في التداوي، وأُثِر هذا عنه في أحاديث كثيرة، كما تداوى ـ ﷺ ـ من الأمراض التي كانت تصيبه، ومن الأحاديث الدالَّة على هذا: ما رُوي عن أبي الدرداء أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: “إن الله أنزل الداءَ والدواء، وجعل لكلِّ داءٍ دواءً، فتداوَوْا، ولا تتداوَوْا بحرام”، وما رُوِي عن أسامة بن شريك قال: “كنت عند النبي ـ ﷺ ـ وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله أنَتدَاوَى؟ فقال: نعم يا عباد الله، تداوَوْا؛ فإن الله ـ عز وجل ـ لم يضعْ داءً إلا وضع له شفاءً، غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهَرَم”، وما رُوِي عن ابن مسعود أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: “ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له دواء، جَهِلَه مَن جَهِلَه، وعلِمَه مَن عَلِمَه”.
والمرأة قد يُصيبها المرض، فتفتقر إلى مَن يداويها، أو يُجري لها جراحة أو يُمَرِّضها، أو تحتاج إلى مَن يُوَلِّدها، أو نحو هذا، والأَوْلَى أن يتولَّى ذلك منها امرأة، إن كانت مُتَخَصِّصة في مثل هذا من المريضة؛ لأن نظرَها إلى مثلها أخف، ومسَّها بدن المريضة كذلك، بخلاف الرجل، إلا أنه قد يتعذَّر وجود امرأة تُحسن مُداواة المرأة أو مُعالجتها أو توليدها أو تمريضها أو نحو ذلك، ولهذا أجاز الفُقَهاء تولِّي الرجال ذلك من المرأة المريضة، إذا لم تُوجَد امرأة يُمكِنُها تَطْبِيب المرأة أو توليدها أو تمريضها، أو وُجِدَت وكان الرجل أمهر منها في ذلك، ولكن بقيود عدة هي:
1ـ أن يكون مع الطبيب ومَن في معناه والمريضة، ما يمنع من الخَلْوة المحرَّمة بينهما، كمحرَم المريضة، أو زوجها، إذا كان المكان مما يُمكن الاختلاء بها فيه، كأن كان المكان حجرة مُغلَقة، يأمنان فيه من اطِّلاع الغير عليهما فيها، وكانت هذه المرأة أجنبية عن الطبيب ومَن في حكمه، ويرى بعض الحنفية أن الخَلْوة المحرَّمة تنتفي كذلك بوجود رجل مع الطبيب والمريضة ولو كان أجنبيًّا عنهما، أو وجود امرأة من محارم الطبيب: كأمه أو أخته أو بوجود زوجته، أو امرأة ثقة، وإن كانت أجنبية عن الطبيب والمريضة، وهذا هو الراجح من مذهب الشافعية كذلك.
2ـ أن لا يكشف الطبيب ومن في معناه من المرأة إلا مقدار الحاجة، ويستر ما عداه، ثم ينظر إلى الموضع الذي يُداويه أو يُعالجه ويَغُضُّ بصره عن غيره ما استطاع؛ وذلك لأنه نظر دعَتْ إليه الضرورة، فيُباح بقَدْرها، وما زاد على ذلك باقٍ على أصل الحُرْمة.
3ـ أن تكون المرأة بحاجة إلى المُداوَاة أو المُعالجة أو التوليد أو نحو ذلك، بحيث إذا لم يقم الطبيب ومَن في حكمه بذلك منها هلكت أو أصيبتْ بضرَر لا تحتَمِله.
4 ـ أن لا يكون الطبيب ومَن في معناه كافرًا مع وجود المسلم الذي يُمكنه القيام بذلك، إن كانت المريضة مسلمة، ويرى الشافعية أنه إذا كان الكافر أمهر من المسلم في مُداواة المسلمة ومُعالَجَتِها وتوليدها أو كان يرضى بأجرة المِثْل والمسلم لا يرضى إلا بأكثر منها، قُدِّم الكافر على المسلم في مداواتها، إلا أن جمهور الفقهاء يَرَوْنَ عدم جواز غير المسلم بمداواة المسلمة إلا عند فَقْد الطبيب المسلم الذي يُمكِنُه القيام بذلك.
5ـ أن يكون الطبيب ومَن في حكمه أمينًا، عند القيام بمُداوَاة المرأة الأجنبية عنه أو علاجها أو توليدها أو نحو ذلك.
6ـ أن لا يَخشى الطبيب ومَن في حكمه الافتتان بالمرأة التي يُداويها، أو يُعالجها، فإن خاف الافتِتان بها، لم يَجُز له ذلك منها.
ومما يدل على جواز تولِّي الرجل مُداواة المرأة أو مُعالجتها، ونظره إلى ما تدعو الحاجة إلى النظر إليه منها، ما رواه جابر عن أم سلمة، رضي الله عنه: “أنها استأذنت رسول الله ـ ﷺ ـ في الحِجامة فأذِن لها، وأمر أبا طَيْبة أن يَحجُمَها”، وقد كان أبو طيبة غلامًا لبعض الأنصار بالمدينة، وكان يتولَّى حِجامة الناس بها، وهذا يدل على أن الشريعة السمحة أباحت مُداواة الرجل للمرأة الأجنبية عنه، إن دعت الحاجة إليه بضوابطها السابقة.