أولا -العبرة في النهاية ليست بالأسماء، ولكن بطريقة التعامل، فإذا كانت المعاملة صحيحة فهي جائزة سواء أكانت في بنك إسلامي أو ربوي، وإذا شاب المعاملة شيء فهي محرمة، سواء تمت في البنوك الإسلامية أو الربوية.
ثانيا: البنك الإسلامي لا يقوم بإقراض الناس بفائدة، ولكنه يتعامل معهم من خلال عقود مشروعة، أبرزها بيع المرابحة للآمر بالشراء .
ثالثا:- إذا أراد البنك أن يبيع لأحد سيارة عن طريق ببيع المرابحة، فلهذا البيع خطوات لا بد أن تمر من خلالها حتى تكون الصورة مشروعة، وإلا كانت مجرد تمويل ربوي.
وهذه الخطوات كما ذكرها الدكتور حسام الدين عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس-:
إن بيع المرابحة للآمر بالشراء لا بد أن يتم باتمام الخطوات التالية:
أ- طلب من العميل يقدمه للمصرف الإسلامي لشراء سلعة موصوفة.
ب- قبول من المصرف لشراء السلعة الموصوفة.
ج- وعد من العميل لشراء السلعة الموصوفة من المصرف بعد تملك المصرف لها.
د- وعد من المصرف ببيع السلعة الموصوفة للعميل وقد يكون الوعد لازماً أو غير لازم كما سيأتي بيانه.
هـ- شراء المصرف للسلعة الموصوفة نقداًَ.
و- بيع المصرف للسلعة الموصوفة للعميل بأجل مع زيادة ربح متفق عليها بين المصرف والعميل. انتهى.
فإذا قبل البنك بأن يبيع السيارة مرورا بهذه الخطوات فلا مانع من ذلك شرعا إسلاميا كان البنك أو غيره.
والذي نحب أن نبينه الآتي أن هذه الخطوات لا بد أن تكون مرتبة، وليس شرطا أن تتم من خلال عقود مكتوبة، فلا مانع من المرور بها شفويا، على أن تكون الخطوة الأخيرة هي بيع السيارة بعد أن يتملكها البنك بالفعل.
فإذا أعطى البنك المال بيد الشخص على أن يشتري به السيارة التي يريد فهذا لا يجوز، ويكون صورة ربوية.
غير أنه يجوز أن يوكل البنك الشخص في شراء السيارة لصالح البنك بعقد وكالة، وبعد أن يشتريها لصالح البنك يأتي ويحضرها للبنك، وبعد ذلك يقوم البنك ببيعها له بعد أن يكون قد اشتراها الشخص بالوكالة عنه، وهذه الصورة يجوزها بعض الفقهاء غير أننا لا ننصح بها، ولا ندعو إليها لما فيها من معنى الصورية .
رابعا :- يجب أن تكون هذه الأرباح المئوية غير منصوص عليها بالعقد مفصولة عن الربح، ولكن لا مانع من أن يتم التفاهم مع مندوب البنك بهذه الطريقة دون أن يسجل ذلك في العقد، أي أن حساب الربح بالنسبة المئوية لا شيء فيه شرعا، بشرط أن يتفق البنك والبائع على مدة زمنية معينة للتقسيط عند التعاقد، ولا يتركا ذلك للمشيئة والظروف بعد العقد.
فإذا قال البنك للشخص : أريد أن أربح في الشهر كذا، واقض كيف شئت فعلى الشخص أن يختار من هذه اللحظة المدة الزمنية، ولا يجوز تعديلها بعد العقد، وإلا كان الأمر مجرد صورة ربوية .
خامسا :- البعض ينظر إلى الربح الزائد الذي حدده البنك باعتباره حراما رابطا بين الحرمة والزيادة الفاحشة، وهذا خطأ، فالربح جائز طالما أنه يتم بالتراضي بالغا ما بلغ، والربا حرام حتى لو كان فلسا واحدا .
يقول الدكتور يوسف القرضاوي مبينا مسألة بيع المرابحة في صورة مثال عملي :-
أريد أن أصور المسألة تصويراً مبسطاً في صورة واقعة عملية ، ليمكن إصدار الحكم فيها بعد تصورها .
ذهب زيد من الناس إلى المصرف الإسلامي و قال له : أنا صاحب مستشفى لعلاج أمراض القلب ، و أريد شراء أجهزة حديثة متطورة لإجراء الجراحات القلبية ، من الشركة الفلانية بألمانيا أو بالولايات المتحدة .
و ليس معي الآن ثمنها ، أو معي جزء منه و لا أريد أن ألجأ إلى البنوك الربوية لأستلف عن طريقها ما أريد و أدفع الفائدة المقررة المحرمة ، فهل يستطيع المصرف الإسلامي أن يساعدني في هذا الأمر دون أن أتورط في الربا ؟ هل يستطيع المصرف أن يشتري لي ما أريد بربح معقول على أن أدفع له الثمن بعد مدة محددة ، فأستفيد بتشغيل مستشفاي ، و يستفيد بتشغيل ماله ، و يستفيد المجتمع من وراء ذلك التعاون ؟
قال مسئول المصرف : نعم يستطيع المصرف أن يشتري لك هذه الأجهزة بالمواصفات التي تحددها ، و من الجهة آلتي تعيَّنها ، على أن تربحه فيها مقداراً معيناً أو نسبة معينة ، و تدفع في الأجل المحدد ، و لكن البيع لا ينعقد إلا بعد أن يشتري المصرف الأجهزة المذكورة و يحوزها بالفعل بنفسه أو عن طريق وكيله ، حتى يكون البيع لما ملكه بالفعل ، فكل ما بين المصرف و بينك الآن تواعد على البيع بعد تملك السلعة و حيازتها .
قال العميل : المصرف إذن هو المسئول عن شراء الأجهزة المطلوبة و دفع ثمنها و نقلها و شحنها ، و تحمل مخاطرها ، فإذا هلكت هلكت على ضمانه و تحت مسئوليته ، و إذا ظهر فيها عيب بعد تسلمها يتحمل تبعة الرد بالعيب ، كما هو مقرر شرعاً .
قال المسئول : نعم بكل تأكيد . و لكن الذى يخشاه المصرف أن يحقق رغبتك ، و يجيبك إلى طلبك بشراء الأجهزة المطلوبة ، فإذا تم شراؤها و إحضارها ، أخلفت وعدك معه . و هنا قد لا يجد المصرف من يشتري هذه السلعة منه لندرة من يحتاج إليها ، أو قد لا يبيعها إلا بعد مدة طويلة ، و في هذا تعطيل للمال ، و إضرار بالمساهمين والمستثمرين الذين ائتمنوا إدارة المصرف على حسن تثميرها لأموالهم .
قال العميل صاحب المستشفى : إن المسلم إذا وعد لم يخلف ، و أنا مستعد أن أكتب على نفسي تعهداً بشراء الأجهزة بعد حضورها بالثمن المتفق عليه الذى هو ثمن الشراء مع المصاريف و الربح المسمى مقداراً أو نسبة كما أني مستعد لتحمل نتيجة النكول عن وعدي ، لكن ما يضمن لي ألا يرجع المصرف عن وعده إذا ظهر له عميل يعطيه أكثر ، أو غلت السلعة المطلوبة في السوق غلاء بيناً ؟
قال المسئول : المصرف أيضاً ملتزم بوعده ، و مستعد لكتابة تعهد بهذا ، و تحمل نتيجة أي نكول منه .
قال العميل : اتفقنا .
قال المسئول : إذن نستطيع أن نوقع بيننا على هذا ، في صورة طلب رغبة و وعد منك بشراء المطلوب ، و وعد من المصرف بالبيع . فإذا تملك المصرف السلعة و حازها وقعنا عقداً آخر بالبيع على أساس الاتفاق السابق .
هذه هي الصورة آلتي اشتهر تسميتها باسم (بيع المرابحة للآمر بالشراء ) و هي التي ثار حولها الجدل ، و كثر القيل و القال .
و هذه الصورة إذا حللناها إلى عناصرها الأولية ، نجدها مركبة من وعدين : وعد بالشراء من العميل الذى يطلق عليه : الآمر بالشراء . و وعد من المصرف بالبيع بطريق المرابحة ( أي بزيادة ربح معين المقدار أو النسبة على الثمن الأول ، أو الثمن و الكلفة ) و هذا هو المقصود بكلمة المرابحة هنا .
و قد اختار المصرف و العميل كلاهما الالتزام بالوعد ، و تحمل نتائج النكول عنه . كما تتضمن الصورة : أن الثمن الذى اتفق عليه بين المصرف والعميل ثمن مؤجل ، والغالب أن يراعى في تقدير الثمن مدة الأجل ،كما يفعل ذلك كل من يبيع بالأجل .
هذه هي عناصر العملية آلتي اشتهرت باسم “بيع المرابحة” ، وأنا لا أقف عند التسمية كثيراً ؛ لأنه لا عبرة بالأسماء إذا وضحت المسميات ، فمن حقنا أن نطلق عليها إن شئنا اسماً جديداً، و أن نعتبرها بمجموع عناصرها صورة جديدة من معاملات هذا العصر فهي ليست أكثر من مُوَاعَدَة على البيع لأجل معلوم ، بثمن محدد ، هو ثمن الشراء مضافاً إليه ربح معلوم ، تزيد نسبته أو مقداره عادة كلما طال الأجل . و لكنه ثمن معلوم من أول الأمر .انتهى.