سؤال موسى -عليه الصلاة والسلام- أن يجعل الله تعالى له وزيرا من أهله يكون عونا له على أداء هذا الحمل الثقيل وهو تبليغ الرسالة لا يتنافى مع كمال العقل ورجحانه، وإنما طلب موسى -عليه السلام- من ربه أن يشد أزره بأخيه هارون، لأن موسى -عليه السلام- روي أنه كانت بلسانه حبسة ويفسره قوله سبحانه : “وأخي هارون هو أفصح مني لسانا.
فهذا هو الذي عناه، فما علم موسى -عليه السلام- عن أخيه هارون فصاحة اللسان وهدوء الأعصاب، سأل ربه أن يشد أزره به ويقويه في الأمر الجليل الذي كلفه به ربه.
يقول صاحب الظلال -رحمه الله- : في تفسير قوله سبحانه : “قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) [سورة طه].
لقد طلب إلى ربه أن يشرح له صدره.. وانشراح الصدر يحول مشقة التكليف إلى متعة، ويحيل عناءه لذة؛ ويجعله دافعاً للحياة لا عبئاً يثقل خطى الحياة.
وطلب إلى ربه أن ييسر له أمره.. وتيسير الله لعباده هو ضمان النجاح. وإلا فماذا يملك الإنسان بدون هذا التيسير؟ ماذا يملك وقواه محدودة وعلمه قاصر والطريق طويل وشائك ومجهول؟!
وطلب إلى ربه أن يحل عقدة لسانه فيفقهوا قوله..
وقد روي أنه كانت بلسانه حبسة والأرجح أن هذا هو الذي عناه . ويؤيده ما ورد في سورة أخرى من قوله : (وأخي هارون هو أفصح مني لساناً). وقد دعا ربه في أول الأمر دعاء شاملاً بشرح الصدر وتيسير الأمر. ثم أخذ يحدد ويفصل بعض ما يعينه على أمره وييسر له تمامه.
وطلب أن يعينه الله بمعين من أهله، هارون أخيه. فهو يعلم عنه فصاحة اللسان وثبات الجنان وهدوء الأعصاب، وكان موسى عليه السلام انفعالياً حاد الطبع سريع الانفعال . فطلب إلى ربه أن يعينه بأخيه يشد أزره ويقويه ويتروى معه في الأمر الجليل الذي هو مقدم عليه.
والأمر الجليل الذي هو مقدم عليه يحتاج إلى التسبيح الكثير والذكر الكثير والاتصال الكثير. فموسى عليه السلام يطلب أن يشرح الله صدره وييسر له أمره ويحل عقدة من لسانه ويعينه بوزير من أهله.
كل أولئك لا ليواجه المهمة مباشرة؛ ولكن ليتخذ ذلك كله مساعداً له ولأخيه على التسبيح الكثير والذكر الكثير والتلقي الكثير من السميع البصير.. (إنك كنت بنا بصيراً).. تعرف حالنا وتطلع على ضعفنا وقصورنا وتعلم حاجتنا إلى العون والتدبير.