يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى أن عيادة المريض واجبة على المسلمين، فإذا قام به بعضهم سقط الوجوب عن الباقين، أما ترك المريض دون أن يعوده أي أحد من المسلمين تحت دعوى أن العيادة سنة لا يجوز.
كما بين الشيخ أنه ليس كل مريض تجب عيادته، ولكن تجب عيادة المريض الذي أقعده مرضه في البيت، أما من تحامل على نفسه فخرج فلا تجب عيادته وإن كانت مشروعة، إلا إذا كان خروجه للأمور الضرورية مع شدة مرضه فهذا لا يسقط حقه في العيادة.
كما بين الشيخ أن عيادة المريض الذي يسهل الذهاب إليه لا يكفي فيها الهاتف إلا إذا وجد من يعوده في بيته. وأما عيادة الوالدين وأولي الأرحام فهي واجبة لا سنة.
يقول العلامة الشيخ ابن عثيمين شارحا قول صاحب كتاب (زاد المستقنع) -أبو النَّجا موسى الحجاوي- :
قال المؤلف: “عيادة المريض” ولم يقل: زيارة؛ لأن الزيارة للصحيح، والعيادة للمريض، وكأنه اختير لفظ العيادة للمريض من أجل أن تكرر؛ لأنها مأخوذة من العود، وهو: الرجوع للشيء مرة بعد أخرى، والمرض قد يطول فيحتاج الإِنسان إلى تكرار العيادة.
أما المرض فالمراد من مرض مرضاً يحبسه عن الخروج مع الناس، فأما إذا كان لا يحبسه فإنه لا يحتاج إلى عيادة؛ لأنه يشهد الناس ويشهدونه، إلا إذا علم أن هذا الرجل يخرج إلى السوق أو إلى المسجد بمشقة شديدة، ولم يصادفه حين خروجه، وأنه بعد ذلك يبقى في بيته، فهنا نقول: عيادته مشروعة.
فالمرض بالزكام مرض لا شك، فإن حبس الإِنسان دخل في هذا، وإن لم يحبسه كما هو الغالب الكثير فإنه لا يحتاج إلى عيادة، والمريض بوجع الضرس إن حبس في بيته عدناه،وإن خرج وصار مع الناس لا نعوده، لكن لا مانع أن نسأل عن حاله إذا علمنا أنه مصاب بمرض الضرس، والمريض بوجع العين كذلك ينسحب عليه الحكم، إذا كان المرض قد حبسه فإنه يعاد، وإن كان يخرج مع الناس لا يعاد، لكن يسأل عن حاله.
وتشمل عيادة المريض القريب والبعيد، أي: القريبَ لك بصلة قرابة، أو مصاهرة، أو مصادقة، والبعيد للعموم؛ لأن هذا حق مسلم على مسلم لا قريب على قريب، ولكن كلما كانت الصلة أقوى كانت العيادة أشد إلحاحاً وطلباً، ومن المعلوم أنه إذا مرض أخوك الشقيق فليس كمرض ابن عمك البعيد، وكذلك إذا مرض من بينك وبينه مصاهرة أي: صلة بالنكاح فليس كمن ليس بينك وبينه مصاهرة، وكذلك الذي بينك وبينه مصادقة ليس كمن ليس بينك وبينه مصادقة، فالحقوق هذه تختلف باختلاف الناس.
و الاتصال بالهاتف لا يغني عن العيادة؛ لا سيما مع القرابة، أما إن كان بعيداً يحتاج لسفر فتغني.
وذكر المصنف أن عيادة المريض سنة، وظاهر هذا أنَّه سنة في حق جميع الناس، ولكن ليس هذا على إطلاقه؛ فإن عيادة المريض إذا تعينت براً أو صلة رحم صارت واجبة لا من أجل المرض، ولكن من أجل القرابة، فلا يمكن أن نقول لشخص مرض أبوه: إن عيادة أبيك سنة، بل واجبة؛ لأنها يتوقف عليها البر، وكذا عيادة الأخ؛ لأن الوجوب ليس لأجل المرض، ولكن من أجل الصلة في القرابة، أما من لا يعد ترك عيادته عقوقاً أو قطيعة فإن المؤلف يقول: إنه سنة.
وقال بعض العلماء: إنه واجب كفائي أي: يجب على المسلمين أن يعودوا مرضاهم، وهذا هو الصحيح؛ لأن النبي ﷺ جعلها من حق المسلم على المسلم ، وليس من محاسن الإِسلام أن يمرض الواحد منا ولا يعوده أحد، وكأنَّه مَرِضَ في برية، فلو علمنا أن هذا الرجل لا يعوده أحد فإنه يجب على من علم بحاله وَقَدِرَ أن يعوده.