قتل الحامل خطأ يجب فيه ديتان ، دية للمرأة وهي محل خلاف بين الفقهاء فعند جمهور الفقهاء أن دية المرأة على النصف من دية الرجل والتي تقدر بـ4250 غرام ذهب فتكون دية المرأة أي 2125 غرام ذهب ودية الجنين عشر ذلك أي 212,5 غرام ذهب، والذي يرفع الخلاف هو حكم القاضي ، وبالإضافة إلى الدية فإنه تجب الكفارة وهي صيام شهرين متتابعين.
يقول الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
إذا كان حادث السير قد وقع بسبب خطأ السائق فإن الواجب في ذلك شرعاً ديتان دية بسبب وفاة المرأة ودية لوفاة جنينها يقول الله تعالى:{ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} سورة النساء الآية 92 .
وبما أن السائق قد قتل المرأة وجنينها خطأً فيلزمه أيضاً دية الجنين وهي المعروفة عند الفقهاء بالغرة وهي: اسم للضمان المالي الذي يجب بالجناية على الجنين، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه:( أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرح جنينها فقضى فيه النبي ﷺ بغرة عبدٍ أو أمةٍ ) رواه البخاري ومسلم .
وعن عمر رضي الله عنه أنه استثارهم – أي الصحابة – في إملاص المرأة فقال المغيرة رضي الله عنه:( قضى النبي ﷺ بالغرة عبد أو أمة فشهد محمد بن مسلمة رضي الله عنه أنه شهد النبي ﷺ قضى به ) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:( اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي ﷺ فقضى أن دية جنينها غرة عبدٍ أو وليدةٍ وقضى بدية المرأة على عاقلتها ) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأحاديث.
قال الحافظ ابن حجر:[ والغرة في الأصل البياض يكون في جبهة الفرس… وتطلق الغرة على الشيء النفيس آدمياً كان أو غيره ] فتح الباري 15/273.
أي أن الواجب في قتل الجنين عبد أو أمة ولما كان لا يوجد في زماننا هذا رقيق فإن قيمة ذلك عشر دية المرأة أي خمس من الإبل.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [… في جنين الحرة المسلمة غرة. وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعطاء، والشعبي، والنخعي، والزهري، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه استشار الناس في إملاص – سقوط الجنين بسبب ضرب أمه – المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي ﷺ قضى فيه بغرة عبدٍ أو أمةٍ. قال: لتأتين بمن يشهد معك. فشهد له محمد بن مسلمة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله ﷺ فقضى رسول الله ﷺ أن دية جنينها عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم). متفق عليه ] المغني 8/404.
إذا تقرر لزوم ديتين فإن دية المرأة على النصف من دية الرجل عند جماهير أهل العلم والقول بخلاف ذلك قول شاذ لايعول عليه ولا يلتفت إليه، قال الحافظ ابن عبد البر:[أجمعوا على أن دية الـمرأة نصف دية الرجل ] الاستذكار 25/63.
وقال الإمام القرطبي: [وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل قال أبو عمر – يعني ابن عبد البر – : إنما صارت ديتها والله أعلم على النصف من دية الرجل من أجل أن لها نصف ميراث الرجل وشهادة امرأتين بشهادة رجل وهذا إنما هو في دية الخطأ وأما العمد ففيه القصاص بين الرجال والنساء لقوله عز وجل :( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) … الخ ] تفسير القرطبي 5/325.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي معلقاً على قول الخرقي:[ ودية الحرة المسلمة نصف دية الحر المسلم. قال ابن المنذر وابن عبد البر أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل ] المغني 8/402. وهذا قول الأئمة الأربعة وأتباعهم وعلماء السلف والخلف ونقل عن عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ولا يعرف لهم مخالف فصار إجماعاً، الحاوي الكبير 12/289.
وقد شذّ الأصم وابن علية فقالا دية المرأة كدية الرجل وتابعهما على ذلك بعض المعاصرين كالمالكي في نظام العقوبات ص 121 ، والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في بحث له بعنوان (دية المرأة في الشريعة الإسلامية ) انظر موقع القرضاوي على شبكة الإنترنت، وقولهما مخالف لما استقر عليه عمل علماء الأمة على مر العصور والأيام .
ومما يدل على قول جماهير أهل العلم ما رواه الشافعي وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قوَّم دية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل ] رواه الشافعي في الأم 6/91-92 والبيهقي في السنن 8/95.
وقد ذكر عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عدة روايات عن الصحابة تفيد أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، انظر مصنف عبد الرزاق 9/393-397، مصنف ابن أبي شيبة 9/299-302، سنن البيهقي 8/95-96.
وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن شريح القاضي عن عمر رضي الله عنه قال:[ … دية المرأة على النصف من دية الرجل ] مصنف ابن أبي شيبة 9/300، وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح. إرواء الغليل 7/307.
وقد رويت بعض الأحاديث عن النبي ﷺ في ذلك ولكنها غير ثابتة ولكن ثبوت تنصيف دية المرأة عن عدد من الصحابة ونقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك يكفي في إثبات هذا الحكم لأن مثل هذا الأمر لا يعرف إلا توقيفاً لأنه من المقدرات التي لا مجال للعقل فيها فيكون له حكم الرفع إلى النبي ﷺ وخاصة أن عدداً كبيراً من الفقهاء والأئمة قالوا بذلك كسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري وعطاء ومكحول والليث وابن شبرمة وهو قول الأئمة الأربعة كما سبق . انظر فقه عمر في الجنايات 2/474، فتح باب العناية 3/348.
وتقدر الدية بالذهب فالدية الكاملة وهي دية الرجل 4250 غرام ذهب ونصفها دية المرأة أي 2125 غرام ذهب ودية الجنين عشر ذلك أي 212,5 غرام ذهب.
كما يلزم السائق كفارة القتل الخطأ وهي الواردة في قوله تعالى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}سورة النساء الآية 92.
وبما أنه يتعذر في زماننا عتق رقبة فعليه صيام شهرين متتابعين. كما يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة.وتجب الديتان المذكورتان في الجواب على عاقلة السائق لما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي ﷺ فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضي بدية المرأة على عاقلتها ) رواه البخاري ومسلم.