إذا علم من شخص علم اليقين أنه يتعامل بالحلال والحرام معا، فننظر إلى نوع الحرام الذي يتعامل به:
فإن كان التحريم لحق الله تعالى مما حرم لكسبه لا لعينه، كالربا والقمار، فوزر المحرم على صاحبه بينه وبين الله، لأن التحريم هنا لحق الله تعالى، ولا يتحمل منه من يتعامل معه شيئاً إذا كان التعامل صحيحاً في نفسه، لعموم قوله تعالى: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”. ولذلك تعامل النبي ﷺ مع اليهود مع أكلهم الربا. ورضي عمر رضي الله عنه أن يأخذ الجزية من أهل الكتاب من ثمن الخمر، كما صح ذلك عنه. وإنما يحرم التعامل مع هؤلاء إذا كانت مصلحة الهجر أكبر من مصلحة التعامل. أما إذا لم يكن الهجر مفيداً وكانت مصلحة التعامل راجحة، قدمت المصلحة الراجحة.
وإن كان المحرم لحق المخلوق، كالمال المأخوذ بالسرقة والغصب ونحوه، فإن علم أن هذا المال بعينه هو المغصوب أو المسروق فلا يجوز أخذه والانتفاع به، لأنه مأخوذ من صاحبه ظلماً بغير حق وبغير رضاه، وحقوق العباد مبنية على المشاحة، بخلاف حقوق الله تعالى المبنية على المسامحة. ولهذا لم يقبل النبي ﷺ المال الذي أتى به المغيرة بن شعبة رضي الله حين أسلم، لأنه كان قد غصبه قبل إسلامه. وإن لم يعلم عين المال المغصوب أو المسروق، أو اختلط المال المغصوب بغيره، كانت العبرة للغالب.