كان الإسلام حاسما كل الحسم في محاربة الخمر وإبعاد المسلم عنها، وإقامة الحواجز بينه وبينها، فلم يفتح أي منفذ -وإن ضاق وصغر- لتناولها أو ملابستها.
ولم يبح للمسلم شربها ولو القليل منها، ولا ملابستها ببيع أو شراء أو إهداء أو صناعة، ولا إدخالها في متجره أو في بيته، ولا إحضارها في حفلات الأفراح وغير الأفراح، ولا تقديمها لضيف غير مسلم، ولا أن تدخل في أي طعام أو شراب.
بقي هنا جانب قد يسأل عنه بعض الناس وهو استعمال الخمر كدواء. وهذا ما أجاب الرسول ﷺ عنه، فقد سأل رجل عن الخمر، فنهاه عنها، فقال الرجل: إنما أصنعها للدواء. قال ﷺ: “إنه ليس بدواء ولكنه داء” وقال عليه السلام: “إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه في شأن المسكر: “إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم”.
ولا عجب أن يحرم الإسلام التداوي بالخمر وغيرها من المحرمات، فإن تحريم الشيء -كما قال الإمام ابن القيم– يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته، وهذا ضد مقصود الشارع.
وقال: وأيضا، فإن في إباحة التداوي به -ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه- ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة، وبخاصة إذا عرفت النفوس أنه نافع لها، ومزيل لأسقامها، جالب لشفائها.
وأيضا فإن في هذا الدواء المحرم من الأدواء ما يزيد على ما يظن فيه من الشفاء.
وقد تنبه ابن القيم رحمه الله إلى جانب نفسي هام فقال: إن من شرط الشفاء الدواء تلقيه بالقبول، واعتقاد منفعته، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء. ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد منفعتها وبركتها، وحسن ظنه بها وتلقيه لها بالقبول، بل كلما كان العبد أعظم إيمانا كان أكره لها، وأسوأ اعتقاد فيها، وكان طبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء لا دواء.
ومع هذا فإن للضرورة حكمها في نظر الشريعة، فلو فرض أن الخمر أو ما خلط بها تعينت دواء لمرض يخشى منه على حياة الإنسان بحيث لا يغني عنها دواء آخر -وما أظن ذلك يقع- ووصف ذلك طبيب مسلم ماهر في طبه، غيور على دينه، فإن قواعد الشريعة القائمة على اليسر، ودفع الحرج، لا تمنع من ذلك، على أن يكون في أضيق الحدود الممكنة (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم) سورة الأنعام:145.