أباح الله عزّ وجلّ للمسلمين الزواج بالكتابيات كما هو معروف. وقد خلق الله تعالى نوعاً من الحبّ والمودة بين الزوجين تكفل استمرار الحياة الزوجية، رغم كل الإشكالات. قال تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم : 21 .
فالرجل المسلم يحبّ زوجته الكتابية، والله تعالى هو الذي خلق هذه المحبة في قلبه، فهل يجوز أن ينهاه عنها؟
نعني هل يمكن أن يباح للمسلم الزواج من كتابية ثم يطلب منه أن لا يودّها ويحبّها؟ هذا غير معقول، فلو كان لا يجوز له مودّتها، لنهاه عزّ وجلّ عن الزواج منها.
إذاً يمكن أن تكون هناك مودّة بين المسلم وغير المسلم، ولكن ليس لكفره وضلاله ـ معاذ الله ـ ولكن لاعتبارات أخرى مشروعة، منها رابطة الزوجية، فإن الزوجة ولو كانت كتابية تشارك زوجها في كثير من المشاعر، ويمكن أن يتفاهما فيها معاً.
كما يمكن أن تكون هناك مشاعر فطرية وروابط اجتماعية بين المسلم وغير المسلم، إذا وجدت مثل هذه الاعتبارات المشروعة كالعهد والجوار والتعامل وغيرها. إنه إذا لم يكن هناك نوع من المحبّة أو نوع من الاحترام أو الخلق الطيّب بينك وبين غير المسلم، فلا يمكن أن تنجح في دعوتك أبداً. قال تعالى: { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ { النحل : 125
هذا أساس من أسس الدعوة، وهو أن يكون هناك حوار بالتي هي أحسن، وأن تكون هناك حكمة، وموعظة حسنة. هذه كلها لا تتوفّر إلاّ بوجود مشاعر بين الداعي والمدعو، قد نسميها حباً باعتبار، وقد نسميها مودة باعتبار آخر. وليس هو بلا شكّ من الحب في الله، وليس من المودة التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها في كتابه الكريم.