القات شجرة خبيثة دخلت أرض المسلمين، وقد ابتلي بها بعض من المسلمين، وهي تسبب أضرارا في المال والبدن والدين، والوقت، ثم أن زراعته تسبب خسارة اقتصادية كبيرة بسبب الماء الذي يسقيه والأراضي الخصبة التي يزرع فيها، فلهذا كله يحرم زراعة القات في بلاد المسلمين أو تناوله.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي -حفظه الله-:
أما حكم التدخين، فلا ريب أن مقررات العلم والطب المعاصرين، وما كشفته من آثار التدخين على أصحابه قد أكدت ما كررناه في فتاوينا، من حرمة الإصرار على هذه الآفة المدمرة للجسم وللمال، والمستبعدة لإرادة الإنسان . وزاد العلم شيئًا جديدًا، وهو ما يعرف الآن باسم (التدخين القسري) ويراد به تأثير التدخين على غير المدخنين ممن يكونون قرب المدخن . وهو تأثير خطير قد يفوق لدى بعض الناس التأثير على المدخن نفسه.
إنَّ الإسلام يقول : ” لا ضرر ولا ضرار ” أي لا تضر نفسك ولا تضر غيرك . والمدخن يضر نفسه، ويضر غيره.
والشريعة جاءت للمحافظة على المصالح الضرورية للخلق، وقد حصرها الشرعيون في خمس : الدين والنفس والعقل والنسل والمال. والتدخين يضر بهذه المصالح.
أمَّا القات فقد أدخله (المؤتمر العالمي لمحاربة المسكرات والمخدرات والتدخين ) – الذي عقد بالمدينة المنورة وتحت رعاية الجامعة الإسلامية بها، منذ سنوات – ضمن المواد المشمولة بالمنع، وألحقها بالمخدرات والتدخين.
ولكن كثيرًا من إخواننا من مشايخ اليمن وقضاته، اعترضوا على قرار المؤتمر الذي صدر بالإجماع، واعتبروا أن المؤتمرين لم يعرفوا حقيقة القات، وأنهم غلوا في حكمهم، وشددوا في أمر لم يرد بالمنع منه كتاب ولا سنة، وقد ظل أهل اليمن يستعملونه من قرون، وفيهم العلماء والفقهاء والصالحون، ولا زالوا يستعملونه إلى اليوم.
وممن تصدى لذلك صديقنا العالم الغيور القاضي يحيي بن لطف الفسيل ، الذي أصدر في ذلك رسالة سماها : ” دحض الشبهات حول القات ” ضمنها المعاني التي أشرنا إليها، وأنكر فيها أن يكون في القات أي شبه بالمخدرات، كما نفى أن يكون فيه أي ضرر مما يذكره المشددون فيه، إلا أن يكون ذلك شيئًا خاصًا ببعض الناس فيقصر المنع عليهم، كما لو كان هناك شخص يضره تناول العسل، وكذلك الإسراف يختص ببعض الناس دون بعض.
والذي لمسته عند زيارتي لليمن في أواخر السبعينيات، من خلال المشاهدة والسماع أن للقات الآثار التالية:
1- أنه غالى الثمن جدًا، وهذه كانت مفاجأة لي، فقد كنت أحسبه مثل السجاير، فإذا هو يكلف أضعافها، وأضعاف أضعافها.
كنت أتغدى عند أحد الفضلاء مع بعض الأخوة، فإذا أحد الضيوف يأتي ومعه أغصان خضراء يحتضنها . ولاحظ الحضور أنى أنظر إليها مستغربًا فسألوني : أتعرف هذا النبات الأخضر ؟ قلت : لا . فقالوا : هذا هو القات . فسألتهم وكم يكون ثمن هذه الحزمة التي يحملها صاحبنا ؟ فقال أخونا : 150 ريالاً، فقلت : وكم يومًا تكفى صاحبنا ؟ قالوا : إنه سيتسلى بها بعد الغداء فلا يأتي المغرب إلا وقد انتهى منها!
قلت : وهل يكلف القات أهله مثل هذه المبالغ ؟ قالوا : وأكثر منها . فهناك من يأكل بثلاثمائة وبأربعمائة وأكثر من ذلك.
وأعتقد أن هذا داخل في الإسراف بيقين، إن لم يكن داخلا في التبذير وإضاعة المال فيما لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة.
و إذا كان الأكثرون اعتبروا تدخين السجائر أو ” التنباك ” كما يسميه بعضهم، أو ” التتن ” كما يسميه الآخرون من باب الإسراف المحظور، فإن أكل القات يدخل فيه من باب أولى.
2- أنه مضيع لأوقات آكليه، أو ماضغيه، فهم يقضون في ذلك كل يوم مدة تمتد من بعد الظهر إلى المغرب، وهى فترة (التخزين) كما يسمونها هناك . فماضغ القات (يخزنه ) في فمه، ويتلذذ به . ويهمل كل شيء في هذا الموقف، وهو ليس بالقليل، والوقت رأس مال الإنسان، فإذا ضيعه بهذه الصورة، فقد غبن نفسه، ولم يستثمر حياته كما ينبغي للمسلم.
وإذا نُظِر إليه على مستوى الشعب فهو خسارة عامة فادحة، وضرر مؤكد على الإنتاج والتنمية، وتعطيل لطاقات المجتمع بغير موجب.
وهذا الضرر ملموس ومشهود، ولا ينازع فيه أحد، وقد انتشر بين الإخوة في اليمن هذه الحكمة : أول آفات القات تضييع الأوقات!
3- عرفت من الأخوة المهتمين بالأمر في اليمن أن نحو 30% ثلاثين في المائة من أرض اليمن مزروعة بالقات، وهي من أخصب الأراضي وأنفعها، في حين أن اليمن تستورد القمح وغيره من الأقوات والخضروات.
ولا ريب أن هذه خسارة اقتصادية جسيمة على الشعب اليمنى . لا أظن أحدًا ممن يحرصون على خير هذا البلد ومستقبله يكابر فيها.
4- أهل اليمن مختلفون فيما بينهم في شأن تأثير القات وأضراره الجسيمة والنفسية، فكثير منهم ينفي أن له ضررًا، وبعضهم يزعم أن ضرره خفيف بالنسبة لمنافعه، ومن المؤكد أن المبتلى به يصعب أن يقول غير ذلك . فهو غير محايد في حكمه وشهادته.
ولكن هناك كثيرًا من المنصفين أكدوا ما يصحبه من أضرار متنوعة، وما يدعى من وجود نفع فيه، فلا أثر له، فإن إثمه أكبر من نفعه، وقد ذكر بعض الأطباء أنه وسيلة من وسائل نقل الأمراض . وأن له آثارًا صحية سيئة.
ومن العلماء اليمنيين الذين صدعوا بالحق في هذه القضية، ونبهوا على أضرار القات وآفاته : العلامة المصلح الشيخ محمد سالم البيحاني، فقد ذكر في كتابه (إصلاح المجتمع) في شرح حديث نبوي عن الخمر والمسكرات قوله:
وهنا أجد مناسبة وفرصة سانحة للحديث عن القات والتنباك، والابتلاء بهما عندنا كثير، وهما من المصائب والأمراض الاجتماعية الفتاكة، وإن لم يكونا من المسكر، فضررهما قريب من ضرر الخمر والميسر، لما فيهما من ضياع المال، وذهاب الأوقات، والجناية على الصحة، وبهما يقع التشاغل عن الصلاة، وكثير من الواجبات المهمة ؛ ولقائل أن يقول : هذا شيء سكت الله عنه، ولم يثبت على تحريمه والامتناع منه أي دليل، وإنما الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، وقد قال جل ذكره : ” هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ” (البقرة : 29) . وقال تعالى : “} قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ” (الأنعام : 145).الآية.
وصواب ما يقول هذا المدافع عن القات والتنباك، ولكنه مغالط في الأدلة، ومتغافل عن العمومات الدالة على وجوب الاحتفاظ بالمصالح، وحرمة الخبائث، والوقوع في شيء من المفاسد، ومعلوم من أمر القات أنه يؤثر على الصحة البدنية ؛ فيحطم الأضراس، ويهيج الباسور، ويفسد المعدة، ويضعف شهية الأكل، ويدر السلاس – وهو الودي – وربما أهلك الصلب، وأضعف المنى، وأظهر الهزال، وسبب القبض المزمن، ومرض الكلى، وأولاد صاحب القات غالبًا يخرجون ضعاف البنية، صغار الأجسام، قصار القامة، قليلا دمهم، مصابين بعدة أمراض خبيثة.
وهذا مع ما يبذل أهله فيه من الأثمان المحتاج إليها، ولو أنهم صرفوها في الأغذية الطيبة وتربية أولادهم، أو تصدقوا بها في سبيل الله لكان خيرًا لهم.
وإنهم ليجتمعون على أكله من منتصف النهار إلى غروب الشمس، وربما استمر الاجتماع إلى منتصف الليل يأكلون الشجر، ويفرون أعراض الغائبين، ويخوضون في كل باطل، ويتكلمون فيما لا يعنيهم، ويزعم بعضهم أنه يستعين به على قيام الليل، وأنه قوت الصالحين، ويقولون : جاء به الخضر من جبل قاف للملك ذي القرنين، ويروون فيه من الحكايات والأقاصيص شيئًا كثيرًا.
ومن الشيوخ الذين قضى القات على أضراسهم من يدقه، ويطرب لسماع صوت المدق، ثم يلوكه ويمص ماءه، وقد يجففونه ثم يحملونه معهم في أسفارهم، وإذا رآهم من لا يعرف القات سخر بهم، وضحك منهم .
أما التنباك وهو التبغ فضره أكبر، والمصيبة به أعظم، ولا يبعد أن يكون من الخبائث التي نهى الله عنها، ولو لم يكن فيه من الشر إلا ما تشهد به الأطباء لكان كافيًا في تجنبه، والابتعاد عنه، وقد أفرط جماعات من المسلمين في حكمه حتى جعلوه مثل الخمر، وحاربوه بكل وسيلة، وقالوا بفسق متعاطيه، كما أن آخرين قد بالغوا في استعماله إلى حد بعيد، وهو شجرة خبيثة دخلت بلاد المسلمين في حوالي سنة 1012 هـ، وانتشر في سائر البلاد واستعمله الخاصة والعامة ؛ فمن الناس من يأخذه في لفائف السيجارة، ومنهم من يشعله في المشرعة، ومنهم من يشربه بالنار جيلة، وهى المدامة التي عم استعمالها سائر البلاد اليمنية، حتى أصبحت زينة المجالس وعروس البيوت، واستصحبها المدخنون في حضرهم وسفرهم، وأنشدوا لها، وفيها القصائد والمقطوعات الشعرية:
مدامتي نديمتي أنيستي في وحدتي
تقول في قرقارها يا صاح خذني بالتي
وأخبث من ذا وذاك من يمضغ التنباك، ويجمعه مطحونًا مع مواد أخرى، ثم يضعه بين شفتيه وأسنانه، ويسمى ذلك بالشمة، فيبصق متعاطيها حيث كان، بصاقًا تعافه النفوس ويتقذر به المكان، وربما لفظها من فيه كسلحة الديك في أنظف مكان، وللناس فيما يعشقون مذاهب ! وبعضهم يستنشق التنباك بعد طحنه وهو (البردقان )، يصبه في أنفه صبًا يفسد به دماغه، ويجنى به على سمعه وبصره، ثم لا ينفك عاطسًا، ويتمخط بيده وفى منديله أو على الأرض وأمام الجالسين.
وأخبرني أحد أصدقائي أن قريبه الذي كان يستعمل البردقان لما مات مكث ثلاث ساعات، وأنفه يتصبب خبثًا ! ولو اقتصر الناس على ما لابد منه للحياة لاستراحوا من التكاليف والنفقات الشاقة، ولما عرضوا أنفسهم لشيء من هذه الشرور، وأنا لا أقيس القات والتنباك بالخمر في التحريم، وما يترتب عليه من عقاب الآخرة، ولكن أقول هذا قريب من هذا، وكل مضر بصحة الإنسان في بدنه أو عقله أو ماله فهو حرام، والبر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك المفتون) (من كتاب (إصلاح المجتمع ) للبيحانى ص 406 – 408) . اهـ.
رحم الله الشيخ البيحانى فقد أجاد وأفاد.