معنى تلقي الركبان ، هو الإقبال على القادمين من المناطق البعيدة بتجارتهم ، ولا يعرفون سعر السوق ، فيسرع إليهم التجار والسماسرة ، ويخدعونهم في السعر، ثم يبيعون السلعة بثمن مرتفع .

والوساطة في حد ذاتها ليست حراما ، وإنما خداع الناس في السعر لعدم علمهم به هو الذي حرم هذا النوع من التعامل ، كما أن في استغلال هذه الوساطة ارتفاعا للأسعار مما قد يضر بالصالح العام .
ومع أن الفقهاء لم يحددوا حدا للربح ، ولكنهم حرموا الفحش والغش في الأسعار لمن يجهلها.

من هم الركبان وما المقصود بالتلقي:

يقول الدكتور أحمد الشرباصي من علماء الأزهر – رحمه الله – :

من شأن المسلمين ألا يَخدعوا في السِّعر الحاضر للسلعة أو البضاعة، وأَلاَّ يَحتالوا للتغرير بالناس في الأسعار، ولذلك نَهَى النبي ـ ـ عن ” تلقِّي الرُّكبان “، والتلقِّي هنا معناه المسارعة إلى اللقاء، والركبان هم الذين يُقْبِلون من البادية أو الريف إلى الأمصار والمدن، ومعهم سلع هم المنتجون لها ويريدون بيعها، ولكنهم لا علم لهم بالسعر المناسب الذي تُباع به هذه السلع داخل البلدة أو المدينة…

فيتلقاهم خارج البلدة تجار أو سماسرة، يخدعونهم عن السعر المناسب، ويستولي هؤلاء التُّجَّار على سلع أولئك القادمين بثمن قليل، ثم يُعطونهم الثمن، ويعود هؤلاء الركبان من حيث قَدِمُوا، ويدخل التجار بهذه السلع إلى الأسواق فيبيعونها بثمن مرتفع يَربحون فيه رِبْحًا فاحشًا.

الحكمة من النهي عن تلقي الركبان:

الحِكُمة في نَهْي النبي ـ ـ عن هذا العمل، هو أنه يريد ـ والله أعلم بمراده ـ أن لا يكون هناك وسيط مُستغل بين المُنتج والمستهلك، كما نقول بتعبير العصر، لأن هذا الوسيط يُسيء استغلال المنتج من جهة، حيث يَبخسه حقه، ويأخذ منه السلعة التي أتى بها بسعر أقل من السعر الملائم ثم يسيء هذا الوسيط إلى من يشتري منه هذه السلعة، وهو الذي نُسميه الآن باسم المستهلك، لأن هذا الوسيط سيبيع إليه السلعة بِسِعْرٍ مرتفع .
فالمنتفع أولاً وأخيرًا هو الوسيط، وهو يُمثّل فئة قليلة العدد تتضخَّم ثروتها ويفحش ربحها على حساب المُنتجين والمُستهلكين وهم الأكثرية.

ولو أن منتج السلعة دخل بها إلى السوق دون وسيط مستغل لباع سلعته بثمن مناسب له من جهة، وغير مرهق لمُشتريها من جهة أخرى، لأن هذا السعر سيكون أكثر مما اشترى به الوسيط، وأقل مما أخذ به المستهلك .
والإسلام يعمل لصالح الجماعة، ولا يُشجع طغيان الأفراد بالاستغلال.

ونَهْي الرسول ـ ـ عن ” تلقِّي الرُّكبان ” يُعَدُّ أساسًا كريمًا رائعًا للمبدأ التعاوني المعاصر الذي يقوم على إلغاء الوسيط بين المنتج والمستهلك؛ وبهذا يكون الإسلام العظيم قد سبق علماء التعاون بنحو أربعة عشر قرنًا حين وضع هذا المبدأ الاقتصاديّ الجليل الذي يُحقِّق الخير للمجموع.انتهى .