وردت هذه العبارة في حديث رواه السيوطي في زيادة الجامع الصغير نصه :” الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللّهِ، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالهِ” وسنده ضعيف جدًّا ،أما مقولة الخلق عيال الله ، فإما أن تستعمل بالمعنى المجازي أو بالمعنى الحقيقي ، فمعناها المجازي يفيد أن الناس كلهم يعولهم الله تعالى ويرعاهم ، فهم كلهم فقراء إليه يحتاجون لعونه ومدده ، أما المعنى الحقيقي للكلمة فشرك ـ والعياذ بالله ـ لأن الله تعالى : { لم يلد ولم يولد } .
أما الحكم مطلقا على من قال هذه العبارة فلا يجوز بل لا بدَّ من معرفة مراد صاحبها بها ، فعلى حسب مراده يكون الحكم.
وعلى أية حال فمن شأن المسلم أن يدع ما فيه الخلاف إلى ما ليس فيه خلاف ، وهذه العبارة من العبارات الموهمة التي تحتمل عدة معاني ، والأسلم عدم استخدامها حفاظا على الدين .
يقول الشيخ محمد صالح المنجد:
من قال من المسلمين : نحن نؤمن بأننا جميعا أبناء الله ، وجب أن يُسأل عن مراده قبل أن يُحكم عليه :
1- فإن أراد بالبنوة المعنى المجازي ، وهو كون الناس محتاجين مفتقرين إلى الله تعالى ، واستعمل هذه العبارة في غرض مشروع كالرد على النصارى القائلين بأن المسيح ابن الله ، فلا حرج عليه في إلزامه النصارى بهذا لإبطال عقيدتهم – مع عدم التسليم باستعماله مع غيرهم لما يورثه من لبس ومعانٍ باطلة – وذلك لأن من وسائل إبطال اعتقاد النصارى في عيسى عليه السلام إيقافهم على عبارات وردت في كتابهم المقدس تثبت البنوة لغير عيسى بما يدل بصورة واضحة على أن معنى البنوة في كل نصوص الإنجيل ليس المراد به البنوة الحقيقة التي زعموها لعيسى بما أدخله بولس لحرفهم عن عقيدة التوحيد ، معتمداً على اللبس الذي توحيه كلمة ( الأب ) و ( الابن ).
ومن هذه النصوص التي ترد عليهم ما جاء في إنجيل لوقا (20/36) قال عيسى عن المؤمنين به ( هم مثل الملائكة ، لا يموتون ، وهم أبناء الله لأنهم أبناء القيامة).
وكما في سفر أشعيا (43/6) ( ائت ببني من بعيد وبناتي من أقصى الأرض ) .
وكما في إنجيل يوحنا (1/12) ( وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه ، الذين ولدوا ليس من دم ولا مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله ).
وهكذا ما جاء في وصف الله بالأب ، كما في إنجيل متى (6/1) من كلام المسيح لتلاميذه ( وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات ) .
وفي إنجيل لوقا (11/2) ( متى صليتم فقولوا : أبانا الذي في السموات ).
وفي إنجيل يوحنا (20/17) ( إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم ).
فالنصارى لا يقولون بأن الملائكة وبني إسرائيل والحواريين أبناء الله حقيقة، كما لا يقولون بأن الله أب لهؤلاء حقيقة ، وإنما يحملون ذلك على المعنى المجازي ، أي: أب لهم في النعمة والإحسان والحفظ والرعاية، وهم أبناؤه في العبادة والحاجة والافتقار .
وبهذا يبطل استدلالهم على بنوة عيسى لله بكونه وصف في الإنجيل بأنه ابن الله .
2- وإن أراد أن الناس جميعا أبناء الله كبنوة المسيح لله ، على نحو ما يعتقده النصارى ، فهذا كفر فوق كفر النصارى .
3- وإن أراد أن الجميع أبناء الله أو عياله فلا فرق بين المسلم والكافر ، وأراد بذلك عدم تكفير اليهود والنصارى وعباد الأوثان ، فهذه ردة منه عن الإسلام ؛ فإن من شك في كفر اليهود والنصارى أو صحَّح مذهبهم كفر إجماعاً .
وينبغي الحذر من إطلاق الألفاظ الموهمة ، التي قد توقع الإنسان في المحظور ، وتدعو إلى إساءة الظن به لاسيما ما يتعلق منها بتوحيد الله تعالى ، وإفراده في أسمائه وصفاته إذ حق الله تعالى هو أولى ما يراعى ويجنب ما يخدشه ، لاسيما وأن هذه اللفظة قد استعملها اليهود، وساقها الله تعالى في القرآن عنهم في سياق الذم ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّه وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِم يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ) المائدة / 18