المضاربة المشتركة جائزة شرعا وهي تختلف عن الفردية في بعض الوجوه، وقبل بيان هذه الوجوه نقول :
المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض وهو السفر للتجارة ، وهي في الفقه الإسلامي تقوم على أساس أن يكون المال من شخص والعمل من شخص آخر ، على أن يكون الربح بينهما بحسب الاتفاق ، والخسارة على صاحب رأس المال.
وتتبع لتنفيذ المضاربة المشتركة الخطوات التالية :
1 –يتقدم أصحاب رؤوس الأموال لمدخراتهم بصورة فردية إلى المصرف الإسلامي، وذلك لاستثمارها لهم في المجالات المناسبة .
2 –يقوم المصرف بدراسة فرص الاستثمار المتاحة والمرشحة للتمويل .
3 –يخلط المصرف أموال أصحاب رؤوس الأموال ويدفع بها إلى المستثمرين كل على حدة وبالتالي تنعقد مجموعة من شركات المضاربة الثنائية بين المصرف والمستثمر.
4 –تحتسب الأرباح في كل سنة بناء على ما يسمى بالتنضيض التقديري، أو التقويم لموجودات الشركة بعد حسم النفقات.( التنضيض في اللغة من نض المال إذا تيسر وحصل، فيقال نض الدين إذا تيسر الدائن، ويقال نض الثمن إذا حصل وتعجل… وأما التنضيض في اصطلاح الفقهاء فهو لتحول المتاع إلى عين (أي دراهم أو دنانير)، ويستعمل الفقهاء هذا اللفظ في باب المضاربة، فيقولون “نض المال” ويعنون به صيرورته نقدًا بعد إن كان متاعًا أي سلعًا وبضائع)
5 –توزع الأرباح بين الأطراف الثلاثة صاحب رأس المال والمصرف والمضارب.
* الفرق بين المضاربة المشتركة والمضاربة القديمة:
المضاربة المشتركة تتضمن جميع السمات الأساسية التي تتسم بها المضاربة في الفقه الإسلامي وتختلف عنها من عدة وجوه وهي:
1 –المضاربة المشتركة لها ثلاثة أطراف وهم صاحب المال والمضارب المستثمر، والمصرف الإسلامي، وجميعهم يستحقون الأرباح، في حين أن المضاربة الفردية لها طرفان.
2 –المضاربة المشتركة تتصف بالجماعية، وتتمثل في خلط الأموال المستثمرة في المضاربة، في حين أن المضاربة الفردية تقوم على أساس عدم خلط الأموال.
3 –المضاربة المشتركة تقوم على أساس استمرارية الشركة ومن أبرز معالم الاستمرارية في المضاربة المشتركة:
أ –جبران الخسارة في المضاربة الأولى بالربح في المضاربة الثانية.
ب –توزيع الربح يناط بالزمن أي بالتوقيت لا بالتنضيض على الأصل.
جـ-انسحاب أي شخص من أصحاب الأموال لا يؤثر في استمرارية الشركة ولا يؤدي إلى فسخها.
كل هذه الفروق جعلت حكم المضاربة المشتركة يختلف إلى حد ما عن المضاربة الفردية في الفقه الإسلامي بحيث أننا لا نستطيع أن نأخذ حكم المضاربة المشتركة التي حكى ابن قدامة الإجماع على مشروعيتها وتنزله على المضاربة المشتركة.
إن الحكم الشرعي في المضاربة المشتركة يتوقف على بيان الأحكام الشرعية في الفوارق السابق ذكرها.
1 –دخول المصرف الإسلامي كعنصر جديد في المضاربة واستحقاق الربح.
2 –خلط أموال المضاربة.
3 –احتساب الربح على التنضيض التقديري.
4 – انسحاب أحد الشركاء من المضاربة.
وبالنسبة للنقطة الأولى اتفق العلماء والباحثون المعاصرون على جواز دخول المصرف الإسلامي كعنصر جديد في المضاربة، واختلفوا في تحديد علاقته بكل من أصحاب الأموال والمستثمرين على ثلاثة أقول:
أ –أن المصرف مضارب مضاربة مطلقة وأصحاب المال بمجموعهم هم أرباب المال، ويعطى المصرف غيره هذه الأموال مضاربة اعتمادًا على إجازة الحنفية والحنابلة في مقابل رأي المالكية والشافعية الذين لم يجيزوا ذلك إلا بإذن صريح.
ب – أن المصرف وكيل عن أصحاب الأموال، ويتركز دوره في الوساطة بين الطرفين.
جـ- أن المصرف له صفة مزدوجة تتمثل في كونه مضاربًا مرة، ورب مال مرة أخرى.
أما عن النقطة الثانية،وهي خلط أموال المضاربة المشتركة على أساس الخلط المتلاحق لأموال المودعين مع بقاء الأمور على حالها دون تصفية للحساب، فيؤدي ذلك إلى مشاركة المال اللاحق للمال السابق في الربح والخسارة، والتمس بعض الباحثين الحل في قول المالكية في مسألة خلط مال المضاربة بغيره، حيث أجازوا للمضارب أن يخلط مال المضاربة بغيره بمطلق العقد، ولو من غير إذن أو تفويض عام إذا استطاع أن يتجر بالمالين ما دام أن ذلك لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً، ويرى بعض الباحثين أن الحل يكمن في الاستناد إلى قول الحنفية وبعض المالكية، الذين أجازوا خلط أموال المضاربة بشرط الإذن الصريح أو التفويض العام إذا جرى العرف بذلك مع عدم تقييده بعدم البدء في إحداهما.
وأما عن النقطة الثالثة وهي مسألة التنضيض التقديري، بأنه أمر جائز فتقدر الأرباح في كل سنة بالنسبة إلى رأس المال، وتوزع على أصحاب الأموال بحسب كلمال وفترة استثماره، عملاً بقاعدة “إذا ضاق الأمر اتسع”.
أما عند النقطة الرابعة : فيوصي الباحثون القائمين على أمر المصارف الإسلامية بأن يوضع في الحسبان جعل هذا انسحاب كلي أم جزئي، فإن كان انسحابًا كليًا قبل الموعد المتفق عليه فيمكن للمصرف أن يضرب صفحًا عن هذه المضاربة وكأنها لم تكن، وإن كان المسحوب جزءًا من المال المودع، فإن المضاربة تفسخ في هذا الجزء المسحوب فقط، ويبقى رأس المال منحصرًا في الباقي من تاريخ إيداعه للاستثمار.
هذا ويمكن الرجوع إلى هذه المراجع في مثل هذه المسألة :
-المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي للأستاذ الدكتور محمد عثمان شبير ص 300-311 ومراجعه.
-البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم، والتقليد والاجتهاد.
-النظرية والتطبيق د. جمال الدين عطية ص 150 – 153 كتاب الأمة صفر 1407 هـ .
-المصارف الإسلامية بين الفكر والتطبيق الشيخ محمد عبدالحكيم -و د. حسين شحاته ص 14.
-ما معنى بنك اسلامي د. سعيد الهواري ص 69 – 74.
–الربا بين الاقتصاد والدين عز العرب فؤاد ص 206 – 211 .