المسجد الأقصى قبلة الأنبياء وقبلة المسلمين الأولى، وثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها.
وذكر القرطبي وغيره عند تفسير قول الله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) [آل عمران:96] فقال: إن أول بيت وضع في الأرض للعبادة هو بيت الله الحرام بمكة المكرمة – حرسها الله – وبعده المسجد الأقصى بأربعين عاماً، ثم قال:
ما هو أول مسجد على وجه الأرض
ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله ﷺ عن أول مسجد وضع في الأرض؟ قال: “المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون عاماً. ثم الأرض لك مسجد، فحيث أدركتك الصلاة فصل”.
فلما سُئل النبيُّ ﷺ عن أول بيتٍ وُضع للناس قال: بيت الله العتيق، قيل: ثم أي؟ قال: البيت المقدس، بيت إيلياء، قال: كم بينهما؟ قال: أربعون عامًا، فأول مسجدٍ هو هذا المسجد الذي فيه الكعبة، وثاني مسجدٍ القدس -مسجد إيلياء- بينهم أربعون عامًا، بناه يعقوب حفيد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم جدَّده سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام.
من بنى المسجد الأقصى
ثم ذكر: أن سليمان عليه السلام هو الذي بنى المسجد الأقصى، وأن إبراهيم هو الذي بنى المسجد الحرام، ولا يمكن أن يكون بينهما أربعون عاماً، لأن سليمان وإبراهيم بينهما آماد طويلة.
ثم وفق بين الروايتين بأن إبراهيم وسليمان ليسا أول من بنى المسجدين، وإنما جددا بناءهما، وبنيا على قواعد وأساس من سبقهما، وهو آدم عليه السلام، وقيل: الملائكة.
هل الكعبة كانت موجودة قبل سيدنا إبراهيم
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمر الله الملائكة ببناء بيت في الأرض، وأن يطوفوا به، وكان هذا قبل خلق آدم عليه السلام، ثم إن آدم بنى منه ما بنى، وطاف به، ثم الأنبياء بعده، ثم استتم بناءه إبراهيم عليه السلام، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127] فيجوز أن يكون آدم أو غيره من ولده هو الذي بنى بيت المقدس بعد البيت الحرام بأربعين عاماً، ويجوز أن تكون الملائكة بنته بعد بنائها البيت الحرام بإذن الله تعالى، وكل ذلك محتمل.
والحاصل: أن المسجد الأقصى بُني بعد المسجد الحرام بأربعين عاماً، وأن الذي بناهما إما الملائكة وإما آدم عليه السلام وذريته.