من حلف بعهد الله فهذه تعد يميناً يلزمه الوفاء بها إذا عاهد الله على عمل أمر صالح لأن من خلق المسلم الوفاء بالعهود، وأحق العهود بالوفاء ما عاهد عليه المسلم ربه، وإذا لم يستطع الوفاء به فتلزمه كفارة يمين على رأي جمهور الفقهاء.
يقول المستشار فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء -رحمه الله تعالى- :
إن معاهدة المؤمن ربه سبحانه وتعالى على عدم إتيان المحرمات أمر يجب الوفاء به مطلقاً. والعهد بين الله سبحانه وتعالى وبين عباده قائم أساساً منذ خلق الله الإنسان. وبناءً عليه يجب على العباد ترك المنهيات وفعل المأمورات تنفيذاً لهذا العهد.
وإن المسلم إذا عاهد الله من جديد على ترك المحرمات فإنه يؤكد ذلك العهد الذي بينه وبين الله تعالى على وجه الخصوص. وقد تكلم العلماء في هذا العهد هل يكون يميناً أو لا يكون؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يمين وهم الحنفية والمالكية والحنابلة، وذهب الشافعية إلى أنه لا يكون يميناً إلا بالنية.
ويبدو أن رأي الجمهور هو الراجح لقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ). [سورة النحل آية 91].
فالآية أمرت بالإيفاء بالعهود ونهت عن نقض الأيمان فدل ذلك على أن العهد يمين، وهو ما صرحوا به في المراجع السابقة. أما إذا عاهد الله بقلبه ولم يتلفظ بلسانه فليس بشيء على الراجح.لكنهم نصوا على اعتبار العهد يميناً إذا كان بلفظ “على عهد الله”.
وكلمة “أعاهد الله” هي بمعنى علي عهد الله، ولذلك فهي تعتبر عهداً، وتأخذ حكم اليمين, بحيث إنه إذا لم يلتزم بها وجبت عليه كفارة اليمين.
ومهما يكن من أمر فإن كلمة “أعاهد الله” هي تجديد العهد مع الله تعالى بعد التوبة من المعاصي، فإذا كان ناقض العهد مع البشر على خطر عظيم، فمن باب أولى أن يكون على خطر أعظم إذا عاهد الله رب العالمين ثم نقض عهده معه.
وإذا كان نقض العهد مع الخلق من صفات المنافقين فكيف يكون نقضه مع الخالق. ومن فعل ذلك فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره ويبادر إلى الأعمال الصالحة, فالله لم يغلق بابه في وجه التائبين وليخلص العمل لله سبحانه ليكون من المتقين لأن الله يقول (إنما يتقبل الله من المتقين)، وعليه كفارة نقض اليمين (إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة). أهـ
يقول الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة- أستاذ الفقه وأصوله – جامعة القدس – فلسطين :
من حلف بعهد الله فهذه تعد يميناً يلزمه الوفاء بها وإذا حنث لزمته كفارة يمين.
قال الكاساني : ولو قال عليَّ عهد الله أو ذمة الله أو ميثاقه فهـو يمين لأن اليمين بالله تعالى هي عهد الله على تحقيقه أو نفيه ألا ترى إلى قوله تعالى : ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) [سورة النحل الآية 91]. ثم قال سبحانه وتعالى : (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) [سورة النحل الآية 91]. وجعل العهد يميناً والذمة هي العهد] (بدائع الصنائع 3/1).
ويجب على المسلم إذا عاهد الله أن يفعل خيراً أو ينتهي عن معصية فعليه الوفاء بما عاهد عليه الله . قال تعالى :(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [سورة الإسراء الآية 34].
وأما إذا نقض عهده مع الله فقد ارتكب معصية.
وقد عدها جماعة من العلماء من كبائر الذنوب وانظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/225-227. فعلى من نقض عهد الله أن يبادر إلى التوبة، ويفي بما عاهد الله عليه.