هذا يدخل في باب الصلح، بأن تعطي الزوجة زوجها شيئا نظير إمساكه لها حتى لا يطلقها، وهو يملك هذا المال بهذا الصلح، ومما يدل على جواز ذلك قوله تعالى : ” وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) [النساء/4].
جاء في كتاب تفسير القرطبي عند تفسير قوله تعالى :”وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) “.
وَذَكَرَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَص عَنْ سِمَاك بْن حَرْب عَنْ خَالِد بْن عَرْعَرَة عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ : هِيَ الْمَرْأَة تَكُون عِنْد الرَّجُل فَتَنْبُو عَيْنَاهُ عَنْهَا مِنْ دَمَامَتهَا أَوْ فَقْرهَا أَوْ كِبَرِهَا أَوْ سُوء خُلُقِهَا وَتَكْرَه فِرَاقَهُ ; فَإِنْ وَضَعَتْ لَهُ مِنْ مَهْرهَا شَيْئًا حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَإِنْ جَعَلَتْ لَهُ مِنْ أَيَّامهَا فَلَا حَرَج .
وَقَالَ الضَّحَّاك : لَا بَأْس أَنْ يَنْقُصَهَا مِنْ حَقِّهَا إِذَا تَزَوَّجَ مَنْ هِيَ أَشَبُّ مِنْهَا وَأَعْجَبُ إِلَيْهِ .
وَقَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان : هُوَ الرَّجُل تَكُون تَحْتَهُ الْمَرْأَة الْكَبِيرَة فَيَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا الشَّابَّة ; فَيَقُول لِهَذِهِ الْكَبِيرَة : أُعْطِيك مِنْ مَالِي عَلَى أَنْ أَقْسِم لِهَذِهِ الشَّابَّة أَكْثَر مِمَّا أَقْسِم لَكِ مِنْ اللَّيْل وَالنَّهَار ; فَتَرْضَى الْأُخْرَى بِمَا اِصْطَلَحَا عَلَيْهِ ; وَإِنْ أَبَتْ أَلَّا تَرْضَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِل بَيْنهمَا فِي الْقَسْم.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَفِي هَذَا أَنَّ أَنْوَاع الصُّلْح كُلّهَا مُبَاحَة فِي هَذِهِ النَّازِلَة ; بِأَنْ يُعْطِيَ الزَّوْج عَلَى أَنْ تَصْبِر هِيَ , أَوْ تُعْطِيَ هِيَ عَلَى أَنْ يُؤْثِر الزَّوْج , أَوْ عَلَى أَنْ يُؤْثِر وَيَتَمَسَّك بِالْعِصْمَةِ , أَوْ يَقَع الصُّلْح عَلَى الصَّبْر وَالْأَثَرَة مِنْ غَيْر عَطَاء ; فَهَذَا كُلّه مُبَاح .