إن كان ما يأخذه الإنسان من طعام في عمله ،يعلم به صاحب العمل،فلا بأس أن يأخذ بالمعروف،وإن كان صاحب العمل لا يعلم ،فيجب إخباره واستسماحه ،فإن أذن ،جاز الأكل ،وإن لم يأذن ،حرم الأخذ من ماله إلا بإذنه.
يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي:ـ
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)، فنهى الله المؤمنين في هذه الآية أن يأكلوا الأموال التي ليست لهم، ولم يأذن صاحبها في أكلها والتصرف فيه، وقد أوضح هذا المعنى حديث رسول الله ـ ﷺ ـ في قوله: “لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
فإذا كان الإنسان يعلم أن صاحب المال تطيب نفسه بما يأخذه من هذا المال، وكان ذلك لا يشق عليه ولا يغضبه، فلا مانع من أن يأكل من هذا المال بالإذن العام الذي علمه من صاحب المال ومن العرف السائد في ذلك، وقد ذكر الله تعالى في سورة النور البيوت التي رخص في الأكل منها من غير حرج، ومن غير أن يحتاج الآكل إلى الإذن في كل مرة يأكل فيها، قال جل شأنه: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون)، فجعل الله من البيوت التي يجوز الأكل مما فيها من طعام البيوت التي ملك الإنسان مفاتيحها بأن يكون قد أُذن له في التصرف فيها كأن يكونوا وكلاء في التصرف في أموالهم أو من الخدم الذي يجب إطعامهم؛ فيأكلون إذا علموا أن ذلك بحكم العادة والعرف لا يشق على أصحاب الأمر ولا يمانعون فيه فيكفي في ذلك الإذن العام.
وفي ضوء هذا التوجيه الإلهي وما فيه من السماحة واليسر، فإنا نقول إذا كان العرف والعادة قد جريا بأن يأكل الصانع مما تحت يده من الطعام الذي يصنعه، وعلم أن صاحب الطعام لا يغضبه ذلك وهو يعلم به عادة، فلا مانع من الأكل بالمعروف. أما إذا لم يكن عرف قائم في ذلك ويخشى الصانع أن صاحب المال يؤذيه ذلك أو يغضبه، فعليه أن يبلغه بذلك ويستأذنه حتى يطمئن على أنه يأكل المال بطيب نفس من صاحبه.