معروف أن الغِيبة ـ وهي ذكرك أخاك بما يكره وإن كان فيه ـ محرمة، والنصوص في ذلك كثيرة، إلا أن العلماء استثنَوا من ذلك أمورًا جعلها الغزالي ستة:
1 ـ التظلُّم عند شكوى الظالم إلى القاضي يذكر عيوبَه التي أدّت إلى ظلمه مثل خيانة الأمانة وأخذ الرشوة، وذلك لحديث:”إن لصاحب الحق مقالاً ” رواه البخاري ومسلم وحديث:” مطل الغني ظلم” رواه البخاري ومسلم وحديث ” لَيَّ الواجد يحل عقوبته وعرضه” رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح. وحلّ العرض معناه الكلام عنه بما يكرهه.
2 ـ الاستعانة على تغيير المنكر وردّ العاصي إلى منهج الصلاح، كما روى أن عمر ـ رضِي الله عنه ـ مرّ على عثمان ـ وقيل على طلحة ـ رضِي الله عنه ـ فسلَّم فلم يردّ السلام، فذكر ذلك لأبي بكر ـ رَضي الله عنه. فأصلح الأمر، فذكر عمر لأبي بكر أن عثمان لم يردّ عليه السلام يكرهه عثمان، ولكنّ عمر أراد الإصلاح فتدخل أبو بكر لذلك، وكذلك لما بلغ عمر ـ رضي الله عنه ـ أن أبا جندل قد عاقَر الخمر بالشام، فكتب إليه أول سورة غافر فتابَ ولم يَعُدّ ذلك عمرُ ممّن أبلغه غِيبة؛ لأن القصد من ذلك النصح والإصلاح والأعمال بالنِّيّات فإن قصد التشهير أو غير ذلك كان حرامًا.
3 ـ الاستفتاء كما يقول الإنسان للمفتي ظلمني فلان فكيف الخلاص، قال الغزالي: والأسلم التعريض بأن يقول: ما قولك في رجل ظلمه أخوه، وإن كان التعيين مباحًا بقدر الحاجة، دليله أن هند زوجة أبي سفيان شكَت النبيَّ ـ ﷺ ـ أنّه رجل شحيح لا يعطيها ما يَكفيها وولدها، فهل تأخذ منه بغير علمه، فأذن لها النبيُّ أن تأخذ بالمعروف، رواه البخاري ومسلم فلأن النبيَّ لم يزجرْها لا يُعدُّ ذلك غِيبة.
4 ـ تحذير المسلم من الشرِّ، كتحذير إنسان طيِّب من التردُّد أو التعامل مع فلان الشرير، وذلك للنصح، فلا يأثم بذكر مساوئ فلان بالقدر الضروري، فإذا قصد الطعن أو التشفِّي أو الحسد كان حرامًا، فالأعمال بالنيات، ومثل ذلك الاستشارة في الزواج وإيداع الأمانة، يقول النبي ـ ﷺ ـ:” أترغَبون عن ذكر الفاجر؟ اهتِكوه حتى يعرفَه الناسُ، اذكروه بما فيه حتى يحذرَه الناس” رواه الطبراني وابن حبان في الضعفاء، يقول الغزالي: وكانوا يقولون: ثلاثة لا غِيبة لهم، الإمام الجائر والمبتدِع والمجاهر بفسقه.
5 ـ أن يكون الإنسان معروفًا، بلقب يُعرِب عن عَيبه، كالأعرج والأعمش، فلا إثم على من يقول : قابلت الأعمش أو الأعرج إذا كان معروفًا؛ لأن صاحبه لا يَكره أن يذكر به لتعوّده، وإن كان الأفضل التعبير عنه بعبارة أخرى يمكن أن يعرف بها، ولذلك يقال للأعمى: البصير عدولاً عن اسم النقص.
6 ـ أن يكون مجاهرًا بالفسق كالمخنَّث ومدمن الخمر ولا يستنكف أن يذكر به، ففي الحديث:” مَن ألقى جلباب الحَياء عن وجهه فلا غِيبة له ” رواه ابن عدي وأبو الشيخ بسند ضعيف.
وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ:” ليس لفاجر حُرمة” وأراد به المجاهر بفسقه دون المستتر ” الإحياء ج3 ص132 ” الزواجر لابن حجر ج2 ص15، الأذكار للنووي ص338 ” ويؤخذ من هذا أن حديث ” لا غِيبة لفاسق ” حديث منكر أو ضعيف النسبة إلى النبي ـ ﷺ ـ وإن كان الحكم صحيحًا على الوجه المذكور.