يقول الأستاذ الدكتور أحمد يوسف سليمان أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة :

الصوم مدرسة عظيمة القدر، جليلة القيمة، كثيرة الفوائد، متعددة الدروس؛ فالصوم فضلا عن كونه يقوي الإرادة، ويعلم الصبر، ويوقظ الضمير، ويربي الخشية ويقيم المراقبة، ويغرس التقوى، فإنه إذا أحسن أداؤه، والتزمت آدابه عاد على الصائم بالخير العميم، والفوز العظيم في دينه ودنياه، وعاجلته وآجلته.

ومن أهم آداب الصوم ألا يكتفي الصائم بالامتناع عن الآكل والشرب، والجماع بل يجتهد في أن تصوم جوارحه كلها عن معصية الله، بل ويستعملها في مرضاته؛ لأن كل جارحة من جوارح الصائم ينبغي أن تصوم سلبا وإيجابا، وتحلية وتخلية، فلسانه يمتنع عن الرذائل كالكذب والغيبة والنميمة، والبذاءة وقول الإفك والزور، بل وينشغل بذكر الله، وقراءة كلامه، وتسبيحه، وتحميده، وتكبيره، والصلاة على نبيه – صلى الله عليه وسلم– والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وكذلك عينه، فيغض بصره عن المحرمات، ويطيل النظر في آيات الله، ومشاهد قدرته، ودلائل وحدانيته. وكذلك الأذن، واليد والقدم وسائر الجوارح.

أما مجرد الامتناع عن شهوتي البطن والفرج، ثم ترك الجوارح تلغ في أعراض الناس وتنتهك محارمهم، فإن هذا يبطل أجر الصائم، أو على أقل تقدير يقلله، وهل المسلم يصوم لمجرد الصوم، أم يصوم رغبة فيما عند الله -عز وجل- من الثواب، وتهذيبا لأخلاقه وسلوكياته ليكون إنسانا ربانيا، أو ملائكيا؛ لأن الله – عز وجل- هو الذي لا يأكل ولا يشرب، بل هو الصمد، ولأن الملائكة طعامها وشرابها وغذاؤها طاعة الله – عز وجل- والتقرب إليه.

ولذلك روى الجماعة إلا مسلما والنسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” ومعنى الحديث أن الله -عز وجل- لا يقبل صوم من يقول الزور أو يعمل به.

والزور في الحديث هو الكذب، وذكره تنويها بخطره لأن الكذب أصل كل الرذائل؛ إذ الرذائل كلها تعود إليه، وتنبثق منه. فعلى الصائم أن يحفظ صومه مما يضيع ثوابه، أو يقلل منه. أما الفرض فقد سقط منه، وليس عليه قضاء؛ لأن صومه صحيح فقها، وإن كان صاحبه له يستفد منه الفائدة المرجوة.