يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا –رحمه الله-:
لم يرد في كتاب الله ولا سنة نبيه عليه الصلاة والسلام ما يدل على جواز هذه الدعوى لأحد ، بل ورد ما يدل على أن الأنبياء عليهم السلام قد أمروا بأن يتنصلوا منها: [قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ] ( الأنعام : 50 ) ، [قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] ( الأعراف : 188 )، [قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ] ( النمل : 65 ) والآيات في هذا المعنى كثيرة .
واستشكل بعضهم نفي علم الغيب عن النبي مع أنه أخبر بكثير منه ، وأحسن جواب أجابوه ما تؤيده الآيات كقوله تعالى : [إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إليَّ ] ( الأنعام : 50 ) فنقول فيما أخبر به من ذلك كما قال الله تعالى : [وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى] ( النجم : 3-04 ) وأما المنفي فهو ما يتعلق بمصالح الدنيا وما يكون من أمر الناس فيها واستشهدوا له بالحديث الصحيح الوارد في تأبير النخل وقوله لما خرج خلاف ما قاله عليه السلام : ( أنتم أعلم بأمر دنياكم ) وفي رواية لمسلم ( إن كان شيء من أمر دنياكم فشأنكم وإن كان من أمردينكم فإلي ) فالحديث يدل على أن الله تعالى لم يعط الأنبياء معرفة الغيب في مصالح الناس في دنياهم ، وإنما جعل علم الدنيا كسبيًّا يعلمه الناس بالبحث والجد .
أما هؤلاء الدجالون من أصحاب السبح ونحوهم فلا تزال بضاعتهم تروج مادام هذا الجهل فاشيًا في جميع طبقات الأمة ، ولا ينفع في الجاهل المُقَلِد الأعمى دليل ولا برهان.