استخدام المطلقة أو البكر جهاز الرضاعة أو الأدوية لإدرار اللبن:
إذا ترتب على استخدام المرأة المتزوجة (جهاز الرضاعة) والأدوية إدرار اللبن، وتم إرضاع الطفل خمس رضعات مشبعات، فيترتب على هذا الإرضاع آثاره من تحريم الزواج، وعدم وجوب الحجاب على المحرمات من الرضاع. على أن زوج المرأة لا يعتبر أبا للرضيع، لأن اللبن لم ينتج عن حمل ووضع تسبب فيهما، ولكنه نتج على الجهاز والحبوب، ولكن يعتبر زوج أمه وهو بمقام أبيه، ويعتبر الرضيع ربيبه أو ربيبته من الرضاع.
وقد يُستغرب هذا الأمر بالنسبة للمرأة المطلقة، وأكثر منه بالنسبة للبكر التي لم يسبق لها الزواج، والحقيقة أن استعمال جهاز الحليب تستوي فيه المرأة المتزوجة التي لم تنجب من قبل، والمطلقة والأرملة اللتين جف لبنهما، والبكر التي ليس من شأنها أن يكون لها لبن، إذ إدرار الحليب هنا لم يترتب على الحمل، ولكنه ناتج عن استخدام الجهاز، وحبوب إدرار اللبن، التي تزيد هرمونات معينة لإدرار اللبن، والتي تزيد طبيعيا في جسد المرأة الحامل.
وعلى ذلك فما أجبنا به في شأن المرأة المتزوجة، نجيب به هنا، فإذا در اللبن، وتم إرضاع الطفل خمس رضعات مشبعات، ترتبت عليه آثاره.
أقوال الفقهاء في حكم إرضاع المطلقة أو البكر أو الأرملة للطفل:
ومن العجيب أن فقهاءنا القدامى ناقشوا هذه القضية، رغم غرابتها – بالنسبة لعصرهم على الأقل – فيرى الحنابلة أن لبن البكر أو أي امرأة لم يسبق لها الحمل، سواء كانت زوجة أو مطلقة أو أرملة، لا ينشر الحرمة.
قال في الإقناع:
(وإن ثاب لبن لمَن – أي امرأة – لم تحمل قبل، أن ثاب لبنها، ولو حمل مثلها، لم ينشر الحرمة نصا في لبن البكر، كلبن رجل، وكذا لبن خنثى مشكل، ولبن بهيمة، فلا ينشر المحرمية بلا نزاع في لبن البهيمة).
وجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية يرتبون آثار الرضاع عليه إذا تم من أي امرأة كانت، وقد بنوَا هذا الحكم على عموم النصوص الواردة في الإرضاع من غير تحديد وصف المرضعة، وعلى أن اللبن جزء من المرأة سواء كانت بكرا أو مطلقة أو أرملة، وبه تغذى الرضيع فثبتت به شبهة البعضية أو الجزئية، بما يحصل باللبن – الذي هو جزء الآدمية – من إنبات اللحم، وإنشاز العظم ، ولأن الرضاع كالنسب فيكفي فيه الاحتمال.
وفي ذلك قال السرخسي من الحنفية:
(إذا نزل للمرأة لبن وهي بكر لم تتزوج، فأرضعت شخصا صغيرا فهو رضاع؛ لأن المعنى الذي يثبت به حرمة الرضاع حصول شبهة الجزئية بينهما، والذي نزل لها من اللبن جزء منها، سواء كانت ذات زوج أو لم تكن، ولبنها يغذي الرضيع فتثبت به شهبة الجزئية).
وقال في المدونة [من كتب المالكية]:
(أرأيتَ لبن الجارية البكر التي لم تنكح قط، إن أرضعت به صبيا أتقع الحرمة أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، تقع به الحرمة. قال: وقال مالك في المرأة التي قد كبرت وأسنَّت: إنها إن درَّت فأرضعت فهي أم. فكذلك البكر).
وقال الشافعية:
(إن ثار للبكر لبن أو لثيب لا زوج لها، فأرضعت به طفلا ثبت بينهما حرمة الرضاع؛ لأن لبن النساء غذاء للأطفال).
والأرجح ما ذهب إليه الجمهور، لما ساقوه من أدلة، وهو المعقول.
هل يثبت للطفل الرضيع من المطلقة أو البكر أو غيرهم حق في الميراث:
أما ما يخص التوارث؛ فإن أسباب الميراث تتركز في أمرين:
النسب (القرابة) والنكاح، وليس منهما الرضاع، فلا توارث بين الأم وابنها من الرضاع، ولا بين الأخ وإخوته من الرضاع، ولا بين الابن وأبيه من الرضاع.
وفي أحكام الشريعة الإسلامية ما يحقق المقصود بغير التوارث، فهناك الوصية، مثل أن توصي الأم من الرضاع لابنها أو الابن لأمه فيما دون الثلث، بل يجوز أن يوصى بأكثر من الثلث بشرط إجازة الورثة.
وهناك العمرى بأن يهب له شيئا طول عمر الواهب أو الموهوب له.
وهناك الرقبى بأن يهب له شيئا فإن مات الموهوب له قبل استرده الواهب، وإن مات الواهب قبل فهو للموهوب.
وله أن يهديه أو يعطيه في حال حياته وصحته ما يشاء، بشرط إلا يضيع الورثة، أو يتعمد حرمانهم من تركته.