الرغبة في الولد حق ثابت للزوجين وإذا كان لا يجوز للزوجة استخدام أي وسيلة من وسائل الحمل إلا بإذن زوجها فكذلك الأمر بالنسبة للزوج فإنه يحرم عليه أن يعزل عن زوجته إلا بإذنها ورضاها، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
يقول الدكتور حسام عفانه -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
قرر العلماء أن للزوجة حقاً في الإنجاب فإذا قام الزوج باتخاذ الوسائل لمنع الإنجاب كاستعمال العزل عند الجماع أو استخدام الوسائل الحديثة لمنع الحمل فإنه يلحق ضرراً بزوجته، ومن المعلوم عند الفقهاء أنه يحرم إلحاق الضرر بالزوجة وبغيرها .
وجمهور العلماء الذين أجازوا العزل اشترطوا إذن الزوجة فيه وأنه يحرم بدون إذنها، ويقاس على ذلك استخدام الوسائل الحديثة من قبل الزوج لمنع الحمل دون إذن الزوجة، فيلحق بالعزل دون إذنها.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها قال القاضي – أبو يعلى – ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزل … لما روي عن عمر (رضي الله عنه) قال: ( نهى رسول الله ﷺ أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها ) رواه الإمام أحمد في المسند وابن ماجة ؛ ولأن لها في الولد حقاً وعليها في العزل ضرر فلم يجز إلا بإذنها ] المغني 7/298 .
وقال البهوتي الحنبلي: [ويحرم العزل عن الحرة إلا بإذنها ] كشاف القناع 3/112 .
وقال الحافظ ابن حجر: [اتفقت المذاهب الثلاثة على أن الحرة لا يعزل عنها إلا بإذنها ] فتح الباري 9/382 . ويقصد الحافظ ابن حجر بالمذاهب الثلاثة الحنفية والمالكية والحنابلة وأما الشافعية فلهم قولان في المسألة أحدهما موافق للمذاهب الثلاثة.
وقال الحافظ ابن حجر أيضاً: [وقد اختلف السلف في حكم العزل قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها؛ لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل.
ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة] فتح الباري 3/382. وانظر كلام ابن عبد البر في فتح المالك 7/380.
ويدل لحرمة العزل عن الزوجة بدون إذنها حديث عمر المتقدم في كلام الشيخ ابن قدامة المقدسي وهو أن النبي – ﷺ- نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها ) رواه أحمد وابن ماجة وضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/188-189.
ولكن صح ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (إن الحرة تستأمر في العزل ) رواه عبد الرزاق بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 9/383 .
ووردت آثار كثيرة عن السلف تدل على ذلك منها ما رواه عبد الرزاق بسنده عن عطاء أنه كره أن يعزل عن الحرة إلا بأمرها يقول هو من حقها.
وعن سعيد بن جبير قال: لا يعزل الحرة إلا بأمرها.
وعن عكرمة قال: لا بأس أن يعزل الرجل عن امرأته إذا استأمرها فأذنت له ] مصنف عبد الرزاق 7/143-144 .
وكذلك ما رواه ابن أبي شيبة بسنده عن إبراهيم التيمي وعمرو بن مرة قالا : يعزل عن الأمة ويستأمر الحرة وعن سعيد بن جبير قال: لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها . وعن عبد الله قال : يستأمر الحرة ويعزل عن الأمة.
وعن جابر بن يزيد قال: لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها]. ثم نقل عن جماعة من السلف اشتراط إذن الزوجة الحرة في العزل مصنف ابن أبي شيبة 4/222-223 .
وخلاصة الأمر:أن حق الزوجة في إنجاب الولد ثابت شرعاً ولا يجوز للزوج أن يحرمها منه فلا بد من إذنها عند العزل أو استعمال وسائل منع الحمل فإذا فعل ذلك بدون إذنها فهو آثم شرعاً وأتى بما ينافي المقاصد الشرعية .