لا يملك أحد أن يعرف الغيب، ومن زعم ذلك فهو داخل في الكهانة التي اعتبرها الإسلام كفرا، وإن عرف أحد منهم شيئا فإنما يعرفه عن طريق الجن، مع ذلك فكبهم أكثر من الصدق بكثير. ولايجوز للمسلم أن يبأتي أبواب هؤلاء.
يقول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر البراك :
من الأصول المقررة في عقيدة المسلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله، قال تعالى: “قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل/65]”، وحتى الرسول –ﷺ-، وسائر الأنبياء تبرؤوا من دعوى علم الغيب، فلا يعلمون من ذلك إلا ما جاءهم به الوحي: “قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام/50]”، “قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف/188]” فمن ادعى علم الغيب كان كافرا.
نعم هناك المشعوذون كالكهان والسحرة يدعون علم الغيب، وقد يصيبون في أشياء ويخطئون في أكثر من ذلك، بل جاء في شأن الكهان أن مسترق السمع من الجن يخبرهم بما سمع من السماء، فيكذب الكاهن معها مئة كذبة، فيصدقه الناس بأكاذيبه بسبب أنه صدق مرّة.
وعلى كل حال فلا يجوز الذهاب لمن يدعي أنه يعرف مكان المسروق، فإن هذا من شأن الكهان، وقد قال –ﷺ-: “من أتى كاهناً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد –ﷺ-” وإن كان هذا المخبر يتظاهر بالدين والخير والصلاح، فإذا كان يدعي أنه يعلم مكان المسروق، ويعرف أين يكون فلان، وأين يوجد فلان، ويحدد مواضعهم مثلاً فإنه كذاب أفاك تنزل عليه الشياطين، قال تعالى-: “هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ [الشعراء/221-223]”.
وبهذا يعلم أن مثل هؤلاء الكهان لا يصح أن يعرفوا باسم الشيخ، والعالم أو الفقيه، فإنه وإن ادعى العلم والصلاح فإنه دجال، يجب الحذر منه، ويجب التحذير من الاغترار بمظهره، ويجب بيان حقيقة مثل هؤلاء، وإذا كان للإنسان قدرة فعليه أن ينكر عليهم، ويمنعهم من إظهار ما عندهم، ومن إتيان الناس إليهم، فإن الكهانة من أعظم المنكرات، وكذلك إتيان الكهان، فمن أقدره الله وجعل له سلطاناً فعليه أن يضرب على يد هؤلاء، ويكف شرهم، ويمنع العامة من ارتياد أماكنهم، ويجب على من لديه علم أن يبيّن للناس حكم الكاهن، وإتيان الكهان، فإن ذلك مما يحول بين هؤلاء المضللين وبين ما يريدون، فإنهم بهذه الأعمال الخبيثة يكونون من المفسدين في الأرض، والواجب على المسلم أن يسعى في الإصلاح ودرء الفساد.