كثرة الثواب في العبادات ليست مبنية على مجرد المشقة فقط، بل مبنية على اعتبارات كثيرة، وشرائط شتى، أهمها الإخلاص لله عز وجل، وإتقان العبادة بأركانها وآدابها، على وجه حسن، فكلما توافر الإخلاص، وتوافرت الموافقة للسنة وآدابها كانت العبادة أعظم أجرًا، ثم تأتي المشقة بعد ذلك، والإنسان الذي يبذل في عبادته جهدًا أكبر، لن يضيع جهده عند الله عز وجل بشرط ألا يتكلف ذلك.
هب أن الإنسان كان مسجده قريبًا من بيته، فهل له أن يذهب ويلف ويدور ليبعد المسافة ويكثر الخطا إلى المسجد، لينال أجرًا أعظم ؟ هذا ليس مشروعًا .
ولكن لو كان في طبيعة الحال، البيت بعيدًا عن المسجد، فإن له بكل خطوة حسنة، وهكذا أراد بنو سلمة أن يأتوا قريبًا من مسجد النبي – ﷺ – ويدعوا بيوتهم في أطراف المدينة، فلم يسمح النبي – ﷺ – لهم بذلك، وأقرهم في بيوتهم، وبشرهم بأن لهم في كل خطوة يأتونها إلى الصلاة حسنة، فهذه حسنات مسجلة لهم في رصيدهم عند الله، ولكن ليس معنى هذا أن الإنسان يطيل الخطا أو يبعد الطريق حتى يكسب الحسنات.
لو أن إنسانًا ليس لديه أجر الطيارة، التي تحمله، وجاء راكبًا دابة أو ماشيًا أو في باخرة رخيصة الأجر، فلا شك أن له أجرًا عظيمًا أكثر ممن يأتي في ساعتين أو أقل أو أكثر ولا يحس بتعب ولا نصب .. إنما المهم ألا يتكلف ذلك .. فيأتي مشيًا، بينما يسر الله له المطية، أو يقدم ممتطيًا دابة، وهو يستطيع أن يستقل سيارة، فالمشقة التي يتجشمها الإنسان بسبب أنه لا يملك غير ذلك، هو مأجور عليها بشرط عدم التكلف.