يقول الله تعالى: ( اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى ومَا تَغيضُ الأرْحامُ ومَا تَزدادُ وكلُّ شَيءٍ عند بِمقدارٍ ) ( سورة الرعد : 8 )، ويقول: ( إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ مَا فِي الأرْحامِ ) ( سورة لقمان : 34 ).
لا يتنافَى علم البشر بنوع الجَنين في بطن أمِّه مع علم الله بما في الأرحام، وذلك لأربعة أمور:
أوّلها أن الله يعلم ذلك قبل أن يتخلّق الجنين، أي قبل أن تتلقّح بويضة الأنثى بماء الذَّكر، إلى أن يولَدَ، بل قبل أن يكون هناك الزّواج بين الرّجل والمرأة، والطِّبُّ لا يعرف ذلك إلا بعد إخصاب البُويضة بزمن يمكنهم فيه الفحص والاستدلال، وما يقال: إنّهم يعرفون ذلك قبل الإخصاب بفحص ماء الرجل ومعرفة الكُروموسومات الغالبة فيه، فإن هناك عوامل أخرى لا يستطيع العلم التحكُّم فيها، وكلها تحت إرادة الله سبحانه، وما يَستنبطونَه مقدّمًا فهو لا يعدو مرحلة الظَّنِّ والتَّخمين.
ثانيها: أنَّ عِلم الله بنوع الجنين علم حقيقي لا يتخلَّف، وعلم العلماء بذلك علم ظنِّي قد يتخلّف، وبخاصّة في الأيّام الأولى للحمل.
ثالثهما: أنَّ علم الله بالجَنين علم شامل لنوعه ورِزقه وأجله وسعادَته وشقائه، وذلك غير مُستطاع إلا لله سبحانه تعالى، الذي قَدَّر كل شيء قبل أن يخلُقَه.
رابعها: أن علم الله لا يسبِقه جهلٌ، وعلم غيره مسبوق بالجهل.
وبهذه الأمور وغيرها يظَلُّ علم الله سبحانه في قدسيّته وشموله وصِدقه لا يُدانيه فيه مخلوق من مخلوقاته. قال تعالى: ( وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ ) ( سورة الأنعام : 59 )، وقد بين الحديث هذه المَفاتح بقوله تعالى: ( إنَّ اللهَ عِندَه عِلم السّاعةِ…) كما رواه البخاري فعلمها قاصر عليه وحده ” لا يَعلَمُها إلاّ هُوَ ” وذلك على الوجه المُبين فيما تقدّم.