زواج المُتْعَة حرام باتفاق علماء المسلمين وإجماعهم، وهو يُعتبر زنا ـ والعياذ بالله ـ وليس نِكاحًا صحيحًا تترتب عليه آثاره، ومن قال غير ذلك لا يلتفت لقوله.
يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق:
قمنا بدراسة وفحص ما في زواج المتعة دراسةً كاملة ومستفيضة، وقد تبين لنا بوضوح ما فيه من مغالطات ومخالفاتٍ الدينُ منها بَرَاءٌ، والسكوتُ عنها يُعتبر في حكم الكبيرة، يُعَرِّض صاحبَها لعقاب الله وغضبه ” مَن رأى منكم مُنْكَرًا فليغيّرْه “.
كما أن قائلها يأخذ حكمَ المُبْتَدِع لسنة سيئة ” مَن سَنَّ سُنَّةً سيئةً فعليه وزرها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة .
ما الذي تتضح الرؤية فيه، الزواج الدائم أم الزواج المؤقت !
فالزواج الدائم يُطْلِع فيه كلٌّ من الزوجين شريكَ حياته على جميع مكنوناته وأسراره والأحلام التي يتمناها له ولأولاده في مستقبل حياته ، كما أن الغرض الأساسيّ منه تكوينُ الأسرة السعيدة التي تَنْفَع دينَها ودنياها .
عكس الزواج المؤقت فهدفه أولاً وقبل كل شيء قضاء الشهوة فترةً من الوقت وليس تكوين الأسرة، وكيف يتأتّى التكوين وهو مُحَدَّد بزمن مُعَيَّن بعد انتهائه يَفترق كلٌّ منهما عن الآخر ليلتقيَ مع شريك جديد يَقضي معه وَطَرَه فترةً من الوقت أيضًا، وهكذا تتكرر المأساة عدة مرات ومرات !
كما أن الزوجين كل منهما يَكْتُم عيوبَه عن الآخر بُغْيَةَ كمال السعادة المؤقتة المتمثلة في قضاء الشهوة، ومن أين يتأتّى فيه السكن الذي قال الله عنه في كتابه الكريم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21) .
وكيف يكون مصير الأولاد في هذه اللحظة المشغولِ فيها كلٌّ من الأبوين بقضاء سعادته المؤقتة، والتَّنَحِّي عن مسؤوليته تجاه أولاده التي فرضها الله عليه من إنفاق وتربية وتعليم وإصلاح وتهذيب .
ما أشبه هذا المجتمع الذي يَشيع فيه مثلُ هذه السموم (الزواج المُؤَقَّت) بمجتمع الحيوانات التي شرَّفنا الله بالبُعْد عنها .
وإذا شاعت في المجتمعات الأوربية فلا يَصِحُّ لها أن ترى نورَ الحياة في المجتمعات الإسلامية لقوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران: 110)
ومن النصوص القرآنية التي تُحَرِّم زواجَ المُتْعَة قوله تعالى: (فما اسْتَمْتَعْتُمْ به منهنَّ فآتوهنَّ أجورَهنَّ) أي فما نكحتموه على الشريطة التي جرَت، وهي قوله: (مُحْصِنينَ غيرَ مُسافحين) أي عاقدين للتزويج (فآتوهنَّ أجورَهنَّ) أي مهورَهنَّ .
ومَن ذهب في الآية غيرَ هذا فقد أخطأ وجَهِل اللغة .
قال الألوسيّ: وهذه الآية لا تدل على الحِلّ، والقول بأنها نزلت في المُتْعَة غَلَط، وتفسير البعض لها بذلك غيرُ مقبول؛ لأن نَظْمَ القرآن يأباه حيث قال جل وعلا: (مُحْصنين غيرَ مُسافِحين) ففيه إشارة إلى النهي عن كون القصد مجردَ قضاء الشهوة وصَبّ الماء، فبطلَت المُتْعَة بهذا القيد؛ لأن مقصود التمتع ليس إلا ذاك، فهو يدل على أن المراد بالاستمتاع هو الوطء والدخول لا الاستمتاع بمعنى المُتْعَة .
وينفي أهلُ العلم بشدة ما جاء من روايات عن طريق بعض الصحابة بقراءة قوله تعالى: “فما اسْتَمْتَعْتُمْ به منهنَّ (إلى أجل مسمّى) فآتُوهُنَّ أجورَهنّ” فقد اعتبر أهلُ العلم هذه القراءة من القراءات الشاذة التي لا يُعتدّ بها لكونها تُخالِف القراءات المُتواتِرة المُجْمَع عليها عندهم .
وأما دليلهم من السنة على التحريم فقول رسول الله ﷺ: “يا أيها الناسُ قد كنت آذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنّ شيء فليُخْلِ سبيلَه، ولا تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئًا .
وقول عمر: إن رسول الله ـ ﷺ ـ أَذِنَ لنا في المُتْعَة ثلاثًا ثم حرَّمها، والله لا أعلم أحدًا يتمتع وهو مُحْصَن إلا رجمته بالحجارة حتى يأتيَني بأربعة يَشهدون أن رسولَ الله أحلَّها بعد أن حرَّمها .
ولقد حَرَّم عمر زواجَ المُتْعَة وبجانبه عظماءُ الصحابة فأقروه على ذلك، وليس منطقيًّا أن يقروه على باطل، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، والرأي مَكفول لصاحبه، وهم الذين قالوا: لو وجدنا فيك اعوجاجًا لقَوَّمْناك بسيوفنا .
فكان رده عليهم: لا خيرَ فيكم إذا لم تقولوها، ولا خيرَ فيَّ إذا لم أسمعها منكم .
ويُروى أن عليًّا قال لابن عباس، وكان يُبيح المُتْعَة: مهلاً يا بن عباس فإن رسول الله ـ ﷺ ـ نهى عنها يومَ خيبر، وعن لحوم الحُمُر الإنسية .
ويَروي الدار قطنيّ عن أبي هريرة أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: “حَرَّم أو هَدَمَ المُتْعَةَ النكاحُ والطلاقُ والعِدَّةُ والميراث “.
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي وردت في هذا الباب، وما اشْتُهِرَ عن ابن عباس من حِلّه لزواج المُتْعَة فقد ثَبَتَ رجوعه عنه وعن الفُتْيا بذلك .