الطلاق في الإسلام هو حل عقد الزواج الذي يجمع بين الزوجين، وذلك إذا رأى الزوج في الحقيقة أن بقاء هذه الزوجة في عصمته يضر بها ضرراً لا يجوز بقاؤه عليها، باعتبارها أختاً له في الإسلام فلا يحل إلحاق الضرر بها بحال من الأحوال، لقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات: 1]،ووجد الزوج كذلك أنه لا خلاص له مما أضر به وأفسده في دينه ودنياه إلا طلاق هذه الزوجة مع أنه بذل جهداً في إصلاحها وهدايتها لما فيه خيرها وخير زوجها ولكن مع طول زمن الإصلاح والهداية ما حصل شيء من إصلاحها وهدايتها، هنا تعين عليه طلاقها لرفع الضرر عنه وعنها معا[1]، فما هي أحكام الطلاق عند أهل السنة والجماعة؟ وما هي أنواع الطلاق الذي لا يقع؟
الطلاق وأحكامه:
يختلف حكم الطلاق في الفقه الإسلامي في مذاهب أهل السنة والجماعة المعتبرة باختلاف الظروف والأحوال:
فإن الطلاق تارة يكون مباحاً، وتارة يكون مكروهاً، وتارة يكون مستحباً، وتارة يكون واجباً، وتارة يكون حرامً، فتأتي عليه الأحكام الخمسة.
- الطلاق يكون مباحا إذا احتاج إليه الزوج؛ لسوء خلق المرأة، والتضرر بها، مع عدم حصول الغرض من الزواج مع البقاء عليه.
- يكون الطلاق مكروهاً إذا كان لغير حاجة؛ بأن كانت حال الزوجين مستقيمة، وعند بعض الأئمة يحرم في هذه الحال؛ الحديث: “أبغض الحلال إلى الله الطلاق”[2]، رواه أبو داود وابن ماجه، ورجاله ثقات.
فسماه النبي ﷺ في هذا الحديث حلالاً، مع كونه مبغوضًا عند الله، فدل على كراهته في تلك الحال مع إباحته ووجه كراهته: أن فيه إزالة للنكاح المشتمل على المصالح المطلوبة شرع.
قال الزحيلي: الطلاق إذن ضرورة لحل مشكلات الأسرة، ومشروع للحاجة ويكره عند عدم الحاجة، للحديث السابق: «ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق» وحديث: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة»[3].
- ويستحب الطلاق في حال الحاجة إليه بحيث يكون في البقاء على الزوجية ضرر على الزوجة؛ كما في حال الشقاق بينها وبين الزوج، وفي حال كراهتها له؛ فإن في بقاء النكاح مع هذه الحال ضررًا على الزوجة، والنبي ﷺ يقول: “لا ضرر ولا ضرار.
- والطلاق يكون واجباً على الزوج إذا كانت الزوجة غير مستقيمة في دينها؛ كما إذا كانت تترك الصلاة أو تؤخرها عن وقتها، ولم يستطع تقويمها، أو كانت غير نزيهة في عرضها؛ فيجب عليه طلاقها في تلك الحال على أصح القولين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “إذا كانت تزني؛ لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال، وإلا؛ كان ديوثاً .
وكذا إذا كان الزوج غير مستقيم في دينه؛ وجب على الزوجة طلب الطلاق منه، أو مفارقته بخلع وفدية، ولا معه وهو مضيع لدينه.
وكذا يجب على الزوج الطلاق إذا آلى من زوجته؛ بأن حلف على ترك وطئها، ومضت عليه أربعة أشهر، وأبى أن يطأها ويكفر عن يمينه، بل استمر على الامتناع عن وطئها؛ فإنه حينئذ يجب عليه طلاقها، ويجبر عليه؛ لقوله تعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 226][4].
- ويحرم الطلاق على الزوج في حال حيض الزوجة ونفاسها وفي طهر وطئها فيه ولم يتبين حملها، وكذا إذا طلقها ثلاثاً، ويأتي هذا إن شاء الله.
الحالات التي لا يقع فيها الطلاق:
يقصد بأنواع الطلاق الذي لا يقع الحالات التي لا يعتد فيها بالطلاق ولو كان قصده ذلك، وهذا يتعلق بنية المطلق والعوامل المؤثرة في قصد المطلق واختياره.
والطلاق باعتبار حالات المطلق أنواع:
1- طلاق الهازل: وهو من قصد اللفظ، ولم يرد به ما يدل عليه حقيقة أو مجازا، وذلك لحديث النبي ﷺ: ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة.
لا خلاف بين الفقهاء في وقوع طلاق الهازل واللاعب قال ابن المنذر: “وأجمعوا على أن جد الطلاق وهزله سواء”.
2 – طلاق من أخطأ باللفظ: والمخطئ من لم يقصد التلفظ بالطلاق أصلا، وإنما قصد لفظا آخر، فسبق لسانه إلى الطلاق من غير قصد، كأن يريد أن يقول لزوجته: يا جميلة، فإذا به يقول لها خطأ: يا طالق وهو غير الهازل.
وحكم طلاق المخطئ: لا يقع طلاق المخطئ عند جمهور الفقهاء إذا ثبت بالقرائن أنه غير قاصد الطلاق. وهو الراجح. ورأى الحنفية أن طلاق المخطئ يقع قضاء فقط لا ديانة وذلك لخطورة محل المرأة.
3 – الطلاق في حالات الإكراه: وذلك إذا حمل الزوج على الطلاق بأداة مرهبة.
حكم طلاق المكره: لا يقع عند الجمهور طلاق المكره؛ لأنه غير قاصد للطلاق، وإنما قصد دفع الأذى عن نفسه، ولقوله ﷺ: «إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»[5]، وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا طلاق في إغلاق»[6] معناه في إكراه. وهذا هو الراجح لقوة دليله، لأن المكره منعدم الإرادة فكان كالنائم.
4 – طلاق السكران: السكران الذي وصل إلى درجة الهذيان وخلط الكلام، ولا يعي بعد إفاقته ما صدر منه حال سكره
حكم طلاق السكران:
السكران الذي شرب الخمر عالماً به، مختاراً لشربه، أو تناول المخدر من غير إكراه عند الجمهور يقع طلاقه في الراجح في المذاهب الأربعة، عقوبة وزجراً عن ارتكاب المعصية، ولأنه تناوله باختياره من غير ضرورة.
وخالف هذا القول زفر والطحاوي من الحنفية، وأحمد في رواية عنه، والمزني من الشافعية وعثمان وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، فقالوا: لا يقع طلاق السكران، لعدم توافر القصد والوعي والإرادة الصحيحة لديه، فهو زائل العقل كالمجنون»[7].
5 – طلاق المجنون والمدهوش:
أما المجنون فهو من أصيب عقله بالخلل فلا يستطيع التمييز بين الامور الحسنة والقبيحة.
وحكم طلاق المجنون: أنه لا يصح طلاق المجنون، ومثله المعتوه والمغمى عليه، بسبب انعدام العقل الذي هو أحد اهلية الأداء للمكلف.
أما المدهوش وهو الذي كان في حال انفعال لا يدري فيها ما يقول أو يفعل، أو وصل به الانفعال إلى درجة يغلب معها الخلل في أقواله وأفعاله، بسبب فرط الخوف أو الحزن أو الغضب.
حكم طلاق المدهوش مثل طلاق المجنون بسبب الخلل في الإدراك والمعرفة حالة الانفعال، لقوله ﷺ: «لا طلاق في إغلاق» والإغلاق: كل ما يسد باب الإدراك والقصد والوعي، لجنون أو شدة غضب أو شدة حزن ونحوها.
6 – الطلاق في شدة الغضب: وهذا يدخل في إطار “لا طلاق من إغلاق”، ولا يقع إذا اشتد الغضب، بأن وصل إلى درجة لا يدري فيها ما يقول ويفعل ولا يقصده، أو وصل به الغضب إلى درجة يغلب عليه فيها الخلل والاضطراب في أقواله وأفعاله، وهذه حالة نادرة.
7- طلاق المرتد: طلاق المرتد بعد الدخول موقوف، فإن أسلم في العدة تبينا وقوعه، وإن لم يسلم حتى انقضت العدة أو ارتد قبل الدخول فطلاقه باطل؛ لانفساخ النكاح قبله، باختلاف الدين
متى يكون الطلاق غير صحيح:
هناك عدد من الحالات يقع فيها الطلاق ولكن يعتبر طلاقا غير صحيح وذلك بسبب مخالفة شرعية أو بسبب تخلف شرط من شروط صحة الطلاق.
وشروط صحة الطلاق أنواع منها شروط خاصة بالمطلق، ومنها شروط خاصة بالمطلقة، ومنها ما هي خاصة بالصيغة، وإذا تحدثنا عن الطلاق الذي لا يعتبر صحيحا فهو الطلاق الباطل ولا يعتد به، ومن أنواع الطلاق التي تعتبر غير صحيحة ما يلي:
1 – الطلاق البدعي: وهو ما خالف الشرع من حيث توقيته وذلك بأن يطلق الرجل المرأة وهي حائض أو نفساء أو في طهر أصابها فيه. ولا خلاف أن مثل هذا الطلاق مكروه وفاعله عاص لله عز وجل إن كان عالما بالنهي عنه[8]. دليل ذلك: أن ابن عمر طلق امرأته، وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي ﷺ، فقال: «مُرْه فليراجعها أو ليطلّقْها طاهراً أو حاملاً»[9].
لكن اختلف الفقهاء إلى صحة هذا الطلاق أو عدمه بسبب مخالفته للسنة المشروعة.
القول الأول – رأي جمهور الفقهاء أن الطلاق البدعي صحيح لكن الزوج آثم ويستحب منه المراجعة: فإذا أوقع الزوج الطلاق في حال الحيض أو النفاس، أو في طهر جامعها فيه، كان الطلاق عند الجمهور صحيحاً، لأن النبي ﷺ أمر ابن عمر بمراجعة امرأته التي طلقها، وهي حائض، والمراجعة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق، ويؤيده رواية: «وكان عبد الله طلَّق تطليقة، فحسبت من طلاقها».
القول الثاني – الطلاق غير صحيح ، وهو مذهب ابن تيمية وابن القيم: ويحرم الطلاق في أثناء الحيض أو النفاس أو في طهر وطئ الرجل زوجته فيه، ولا ينفذ هذا الطلاق البدعي.
وقد صدرت فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية بعدم وقوع الطلاق في الحيض أو النفاس أو الطهر الذي جامع فيه في فتواها رقم (6542)، وفتواها رقم (9541).
فتوى الشيخ ابن باز:
هذه الأحوال الثلاثة يحرم فيها الطلاق:
الأول: كونها حائضًا.
الثاني: كونها نفساء.
الثالث: كونها في طهر قد جامعها فيه -قد مسها فيه- وليست حاملًا ولا آيسة.
أما إن كانت حاملًا فلا بأس بطلاقها، وإن كان قد جامعها، أو كانت آيسة كبيرة السن لا تحمل فإنه لا بأس بطلاقه لها ولو كانت في طهر جامعها فيه، نعم.
2- الطلاق قبل الزواج: وهذا كأن يقول الرجل: إِنْ تزوجت فلانة فهي طالق. وهذا الطلاق حيث وقع على غير محل فهو طلاق غير صحيح، عن عبد الله بن عمرو أنّ النّبيّ ﷺ قال: “لا طلاق إِلا فيما تملك”[10].
وقال الإِمام البخاري رحمه الله: “باب لا طلاق قبل نكاح، وقول الله -تعالى-: (يا أيها الذين آمنوا إِذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدُّونها فمتعوهنّ وسرّحوهنّ سراحاً جميلاً).
جاء في “المحلّى” (11/ 529): “ومن قال: إِنْ تزوجتُ فلانة فهي طالق، أو قال: فهي طالقٌ ثلاثاً فكلُّ ذلك باطل، وله أن يتزوّجها ولا تكون طالقاً؛ وكذلك لو قال: كلُّ امرأة أتزوجها فهي طالق -وسواءٌ عيَّن مدّة قريبة أو بعيدة أو قبيلة أو بلدة- كل ذلك باطل لا يلزم، وقد اختلف الناس في هذا … “.
متى لا يقع الطلاق اللفظي:
الطلاق لا يقع باللفظ حتى تتوفر فيه هذه الشروط الآتية:
1 – استعمال لفظ يفيد معنى الطلاق لغة أو عرفاً، أو بالكتابة أو الإشارة المفهمة.
2 – أن يكون المطِّلق فاهماً معناه، ولو بلغة أعجمية، فإذا استعمل الأعجمي صريح الطلاق، وقع الطلاق منه بغير نية، وإن كانت كناية احتاج إلى نية. ولو لُقِّن رجل صيغة الطلاق بلغة لا يعرفها، فتلفظ بها، وهو لا يدري معناها، فلا يقع عليه شيء.
3 – إضافة الطلاق إلى الزوجة، أي إسناده إليها لغة، بأن يعينها بأحد طرق التعيين، كالوصف، أو الاسم المسماة به، أو الإشارة والضمير، فيقول: امرأتي طالق، أو فلانة طالق، أو يشير إليها بقوله: هذه طالق، أو أنت طالق، أو يقول هي طالق، في أثناء حديث عنها؛ أو إسناده إليها عرفاً مثل: علي الطلاق أو الحرام إن أفعل كذا، أو الطلاق يلزمني إن لم أفعل كذا، فالطلاق هنا مضاف إلى المرأة في المعنى، وإن لم يضف إليها في اللفظ، وذلك خلافاً للحنابلة.
4 – ألا يكون مشكوكاً في عدد الطلاق أو في لفظه. ويقع الطلاق الصريح ولو بالألفاظ المصحفة، نحو طلاغ، وتلاغ، وطلاك، وتلاك، أو بأحرف الهجاء: ط، ا، ل، ق[11].
بناء على هذه الشروط فهنا أمثلة لبعض حالات لا يقع فيها الطلاق اللفظي وهي:
- الطلاق بلفظ التحريم: وذلك أن يحرم الزوج على نفسه ولم يقصد الطلاق فإن هذا اللفظ لا ينعقد ويعتبر يمينا يجب أن يكفر عنه.
ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه: “أنه كان يقول في الحرام: يمين يكفرها”. وقال ابن عباس: ” (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). وفي لفظ: “إذا حرم الرجل عليه امرأته؛ فهي يمين يكفرها”[12].
ورجح ابن القيم أن التحريم ليس من صرائح الطلاق، ولا من كناياته، بل هو يمين من الإِيمان كما سمَّاه الله عز وجل في كتابه، فقال: (يا أيها النّبيّ لِمَ تُحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تَحِلّة أيمانكم) [التحريم: 1]، فهذه الآية مصرحة بأن التحريم يمين، والسبب وإن كان خاصّاً وهو العسل، الذي حرَّمه على نفسه، أو الأَمَة التي كان يطؤها؛ فلا اعتبار بخصوص السبب، فإِنَّ لفظ: {ما أحل الله لك} عامّ، وعلى فرض عدم العموم فلا فرق بين الأعيان التي هي حلال”.
ما هو الطلاق المحرم:
الطلاق المحرم هو طلاق الزوج لامرأته في الحيض أو في طهر جامع الرجل امرأته فيه، وقد أجمع الفقهاء في جميع الأمصار على تحريمه لمخالفته أمر الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، وهو المسمى بالطلاق البدعي. وذلك لِأن الحيضة التي طلَّق فيها لا تحسب من عدتها، ولا الطهر الذي بعدها عند من يجعل الأقراء الحيض، وإِذا طلّق في طهرٍ أصابها فيه؛ لم يأمن أن تكون حاملاً؛ فيندم وتكون مرتابة لا تدري أتعتد بالحمل أو الأقراء.
والنوع الثاني من الطلاق المحرم هو طلاق الثلاث جملة أو في مجلس واحد، وذلك أن يقول رجل لامرأته: أنت طالق، طالق، طالق.. أو يقول: أنت طالق ثلاثا .. أو يقول: عشر طلقات أو مائة طلقة، أو ألف طلقة ونحو ذلك. فقد حرمه العلماء من الصحابة وغيرهم، ولا يلزم منه إِلا طلقة واحدة، وهذا القول منقول عن طائفة من السلف والخلف من أصحاب رسول الله ﷺ وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد بن حنبل.